للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل: والقافَةُ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الأَنسْابَ بالشَّبَهِ، ولا يَخْتَصُّ ذلك بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنة، بل مَنْ عُرِفَ منه المَعْرِفَةُ بذلك، وتَكَرَّرَتْ منه الإِصَابةُ، فهو قائِفٌ. وقيل: أكْثَر ما يكونُ في بَنِى مُدْلِجٍ رَهْطِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجىّ الذي رأى أُسَامةَ وأباه زَيْدًا قد غَطَّيَا رُؤُوسَهُما، وبَدَتْ أقْدَامُهُما، فقال: "إنَّ هذِهِ الْأقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ". وكان إياسُ بن مُعَاوِيةَ المُزَنِىُّ قائِفًا، وكذلك قيل في شُرَيْحٍ. ولا يُقْبَلُ قولُ القائِفِ إلَّا أن يكونَ ذَكَرًا، عَدْلًا، مُجَرّبًا في الإِصَابةِ، حُرًّا؛ لأنَّ قولَه حُكْمٌ، والحكم تُعْتبَرُ له هذه الشُّرُوطُ. قال القاضي: وتُعْتَبَرُ مَعْرِفةُ القائِفِ بالتَّجْرِبَةِ، وهو أن يُتْرَكَ الصَّبِىُّ مع عَشرَةٍ من الرِّجالِ غيرِ مَن يَدَّعِيه، ويُرَى إيَّاهُم، فإن ألْحَقَه بواحدٍ منهم سَقَطَ قولُه؛ لأنَّا تَبَيَّنّا (٣٧) خَطَأَه، وإن لم يُلْحِقْه بواحدٍ منهم، أرَيْناه إيَّاه مع عِشْرِينَ فيهم مُدَّعِيهِ، فإن ألْحَقَه به لَحِقَ، ولو اعْتُبِرَ بأن يَرَى صَبِيًّا [مَعْرُوفَ النَّسَبِ] (٣٨) مع قَوْمٍ فيهم أبُوه أو أخُوه، فإذا ألْحَقَه بِقَرِيبِه، عُلِمَتْ إصَابَتُه، وإن ألْحَقَه بغيرِه، سَقَطَ قولُه، جازَ. وهذه التَّجْرِبةُ عند عَرْضِه على القائِفِ للاحْتِياطِ في مَعرِفَةِ إصَابَتِه، وإن لم نُجَرِّبْهُ في الحالِ، بَعد أن يكونَ مَشْهُورًا بالإِصَابةِ وصِحَّةِ المَعْرِفةِ في مَرَّاتٍ كَبِيرَة، جازَ. وقد رَوَيْنا أنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ في وَلَدٍ له من جارِيَتِه، وأَبَى أن يَسْتَلْحِقَه، فمَرَّ به إياسُ بن مُعَاوِيةَ في المَكْتَبِ، وهو لا يَعْرِفُه، فقال: ادْعُ لي أباكَ. فقال له المُعَلِّمُ: ومن أبُو هذا؟ قال: فُلَانٌ. قال: من أين عَلِمْتَ أنَّه أبُوه؟ قال: هو أشْبَهُ به من الغُرَابِ بالغُرَابِ. فقَامَ المُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلى أبِيه، فأعْلَمَه بقولِ إياسٍ، فخَرَجَ الرَّجُلُ وسَأَلَ إيَاسًا، فقال: من أين عَلِمْتَ أنَّ هذا وَلَدِى؟ فقال: سُبْحانَ اللَّه، وهل يَخْفَى ولدُك (٣٩) على أحَدٍ، إنَّه لَأشْبَهُ (٤٠) بك من الغُرَابِ بالغُرَابِ. فَسُرَّ الرَّجُلُ، واسْتَلْحَقَ وَلَدَه.


(٣٧) في الأصل: "نتبين".
(٣٨) في الأصل: "معروفا".
(٣٩) سقط من: م.
(٤٠) في م: "أشبه".

<<  <  ج: ص:  >  >>