للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَرَرَ الغِرَاسِ في باطِنِ الأَرْضِ لِانْتِشَارِ العُرُوقِ فيها، وضَرَرَ البِنَاءِ في ظَاهِرِهَا، فلم يكُنِ الإِذْنُ في أحَدِهِما إذْنًا في الآخَرِ. وإن اسْتَعَارَها لِزَرْعِ الحِنْطَةِ، فله زَرْعُها وزَرْعُ ما هو أقَلُّ ضَرَرًا منها، كالشَّعِيرِ والبَاقِلَّا والعَدَسِ، وله زَرْعُ ما ضَرَرُه كضَرَرِ الحِنْطَةِ؛ لأنَّ الرِّضَى بِزِرَاعَةِ شيءٍ رِضىً بِضَرَرِه، وما هو دونه، وليس له زَرْعُ ما هو أكْثَرُ ضَرَرًا منه، كالذُّرَةِ والدُّخْنِ والقُطْنِ؛ لأنَّ ضَرَرَهُ أكْثَرُ. وحُكْمُ إبَاحَةِ الانْتِفَاعِ في العَارِيَّةِ، كحُكْمِ الانْتِفَاعِ في الإِجَارَةِ فيما له أن يَسْتَوْفِيَهُ، وما يُمْنَعُ منه. وسَنَذْكُرُ في الإِجَارَةِ تَفْصِيلَ ذلك، إن شاءَ اللهُ تعالى. وإن أَذِنَ له في زَرْعِ مَرَّةٍ، لم يكُنْ له أن يَزْرَعَ أكْثَرَ منها. وإنْ أَذِنَ له في غَرْسِ شَجَرَةٍ فانْقَلَعَتْ، لم يكُنْ له غَرْسُ أُخْرَى، وكذلك إن أَذِنَ له في وَضْعِ خَشَبَةٍ (٢٨) على حائِطٍ فانْكَسَرَتْ، لم يَمْلِكْ وَضْعَ أُخْرَى؛ لأنَّ الإِذْنَ إذا اخْتَصَّ بشيءٍ لم يَتَجَاوَزْهُ.

فصل: وإن (٢٩) اسْتَعارَ شَيْئًا، فله اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِه بِنَفْسِه وبِوَكِيلِه؛ لأنَّ وَكِيلَه نائِبٌ عنه، ويَدُه كيَدِه. وليس له أن يُؤْجِرَهُ؛ لأنَّه لم يَمْلِك المَنَافِعَ، فلا يَصِحُّ أن يُمَلِّكَها. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. ولا خِلَافَ بينهم أن المُسْتَعِيرَ لا يَمْلِكُ العَيْنَ. وأَجْمَعُوا على أنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالَ المُعَارِ فيما أُذِنَ له فيه، وليس له أن يُعِيرَه غيرَه. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْنِ لأَصْحَابِ الشّافِعِىِّ. وقالُوا في الآخَرِ: له ذلك. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه يُمَلِّكُه على حَسَبِ ما مَلَكَه، فجازَ كما لِلْمُسْتَأْجِرِ أن يُؤْجِرَ. قال أصْحَابُ الرَّأْىِ: إذا اسْتَعارَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ هو، فأَعْطاهُ غيرَه، فَلَبِسَه، فهو ضَامِنٌ. وإن لم يُسَمِّ من يَلْبَسُه، فلا ضَمَانَ عليه. وقال مالِكٌ: إذا لم يَعْمَلْ بها إلَّا الذي كان يَعْمَلُ بها الذي أُعِيرَها، فلا ضَمَانَ عليه. ولَنا، أنَّ العارِيَّةَ إِبَاحَةُ المَنْفَعَةِ، فلم يَجُزْ أن يُبِيحَها غيره كإِبَاحَةِ (٣٠) الطَّعَامِ. وفارَقَ الإِجَارَةَ؛ لأنَّه مَلَكَ الانْتِفَاعَ على كل وَجْهٍ، فمَلَكَ أن


(٢٨) في أ، ب، م: "خشبته".
(٢٩) في أ، ب: "ومن".
(٣٠) في ب: "وكإباحة".

<<  <  ج: ص:  >  >>