للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا رِبًا بين الأَثْمانِ والعُرُوضِ. فأمَّا إن باعَها بِنَقْدٍ، ثم اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ آخَرَ، مثلُ أن يَبِيعَها بمائَتَىْ درهمٍ، ثم اشْتَراها بعشرةِ دنانيرَ، فقال أصْحَابُنا: يجوزُ؛ لأنَّهما جِنْسانِ لا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بينهما. فجَازَ، كما لو اشْتَراهَا بِعَرْضٍ، أو بمثلِ الثَّمَنِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ اسْتِحْسانًا؛ لأنَّهما كالشَّىءِ الواحدِ في معنى الثَّمَنِيَّةِ، ولأنَّ ذلك يُتَّخَذُ وَسِيلَةً إلى الرِّبا، فأشْبَه ما لو باعَها بِجِنْسِ الثَّمنِ الأولِ. [وهذا أصَحُّ. إن شاء اللهُ تعالى] (٤).

فصل: وهذه المَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ العِينَةِ. قال الشاعرُ (٥):

أَنَدَّانُ أَمْ نَعْتَانُ أم يَنْبَرِى لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السَّيْفِ مِيزَتْ مَضَارِبُه (٦)

فقوله: نَعْتَانُ. أى نَشْتَرِى عِينَةً (٧). . . مثلَ ما وَصَفْنَا. وقد رَوَى أبو داودَ (٨)، بإسْنادِه عن ابنِ عمرَ قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وأَخَذْتُمْ أذْنَابَ البَقَرِ، ورَضيْتُم بِالزَّرْعِ، وتَرَكْتُمُ الجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ". وهذا وَعِيدٌ يَدُلُّ على التَّحْرِيمِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: العِينَةُ أن يكونَ عندَ الرَّجُلِ المَتَاعُ، فلا يَبِيعُه إلَّا بِنَسِيئَةٍ، فإن بَاعَهُ بِنَقْدٍ ونَسِيئَةٍ فلا بَأْسَ. وقال: أكْرَهُ لِلرَّجُلِ أن لا يكونَ له تِجَارَةٌ غيرَ العِينَةِ، لا يَبِيعُ بِنَقْدٍ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّمَا كَرِهَ النَّسِيئَةَ لِمُضَارَعَتِها الرِّبا، فإنَّ الغالِبَ أنَّ البائِعَ بِنَسِيئَةٍ يَقْصِدُ الزِّيَادَةَ بالأجَلِ. ويجوزُ أن تكونَ العِينَةُ اسْمًا لهذه المَسْأَلَةِ ولِلْبَيْعِ بِنَسِيئَةٍ جَمِيعًا، لكن البَيْعَ بِنَسِيئَةٍ ليس بمُحَرَّمٍ اتِّفاقًا، ولا يُكْرَهُ، إلَّا أن


(٤) سقط من: الأصل.
(٥) نسبه ابن منظور في اللسان (د ى ن) إلى شمر.
(٦) في اللسان: "هزت مضاربه". وندان: نأخذ دَيْنا.
(٧) سقط من: الأصل.
(٨) في: باب في النهي عن العينة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٤٦.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٤٢، ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>