للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعَرَضَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليَعْلَمَ ضَعْفَهم من قُوَّتِهم، فلولا جَوازُه عندَ الضَّعْفِ، لَما عرَضَه عليهم.

فصل: ولا يجوزُ عَقْدُ الهُدْنَةِ ولا الذِّمَّةِ إِلَّا من الإِمامِ أو نائبِه؛ لأنَّه عَقْدٌ مع جُمْلَةِ الكُفَّارِ، وليس ذلك لغيرِه، ولأنّه يتعَلَّقُ بنَظَرِ الإِمامِ وما يَرَاهُ من المصلحَةِ، على ما قَدَّمْناه، ولأنَّ تَجْوِيزَه من غيرِ الإِمامِ يتضمَّنُ تعْطيلَ الجِهادِ بالكُلِّيَّةِ، أو إلى تِلْك الناحِيَةِ، وفيه افْتِياتٌ على الإِمامِ. فإنْ هادَنَهم غيرُ الإِمامِ أو نائِبُه، لم يَصِحَّ. وإنْ دخلَ بعضُهم دارَ الإِسلامِ بهذا الصُّلْحِ، كان آمِنًا؛ لأنَّه دخلَ مُعْتقِدًا للأمانِ، ويُرَدُّ إلى دارِ الحَرْبِ، ولا يُقَرُّ فى دارِ الإسلامِ، لأنَّ الأمانَ لم يَصِحَّ. وإنْ عَقَدَ الإِمامُ الهُدْنَةَ، ثمَّ ماتَ أو عُزِلَ، لم ينْتقِضْ عَهْدُه، وعلى مَنْ بعْدَه الوَفاءُ به، لأنَّ الإِمامَ عقَدَه باجْتهادِهِ، فلم يُجزْ للحاكمِ نَقضُ أحكامِ مَنْ قَبْلَه باجْتهادِه. وإذا عقَدَ الهُدْنَةَ، لزِمَه الوَفاءُ بها؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (٢٦). وقال تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} (٢٧). ولأنَّه لو لم يَفِ بها، لم يُسْكَنْ إلى عَقْدِه، وقد يحتاجُ إلى عَقْدِها، فإنْ نَقَضُوا العَقْدَ (٢٨)، جازَ قِتالُهم؛ لقولِ اللَّه تعالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (٢٩). وقال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} (٣٠). ولمَّا نَقَضَت قريشٌ عَهْدَ النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خَرَجَ إليهم، فقاتَلَهُم، وفَتَحَ مكَّةَ (٣١). وإنْ نَقَضَ بعضُهم دونَ بعضٍ، فسَكَتَ باقِيهم عن النَّاقِضِ، ولم يُوجَدْ منهم إنْكارٌ، ولا مُراسَلَةُ الإِمامِ، ولا تَبَرُّؤٌ، فالكلُّ ناقِضُون، لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا هادَنَ قُرَيْشًا، دَخَلَت خُزاعَةُ مع النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبنو بكرٍ مع


(٢٦) سورة المائدة ا.
(٢٧) سورة التوبة ٤.
(٢٨) فى م: "العهد".
(٢٩) سورة التوبة ١٢.
(٣٠) سورة التوبة ٧.
(٣١) أخرجه البيهقى فى: باب فتح مكة حرسها اللَّه تعالى، من كتاب السِّيَر، وفي: باب نقض الصلح فيما لا يجوز. . .، من كتاب الجزية. السنن الكبرى ٩/ ١٢٠، ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>