للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوْلَى. وأَمَّا إنْ (١٩) صالَحَهم على مالٍ نَبْذُلُه لهم، فقد أطلقَ أحمدُ القولَ بالمنْعِ منه. وهو مذهبُ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ فيه صَغارًا للمسلمين. وهذا محمولٌ على غيرِ حالِ الضرورَةِ، فأمَّا إنْ دَعَت إليه ضَرورةٌ، وهو أنْ يخافَ على المسلمين الهَلاكَ أو الأَسْرَ، فيجوزُ؛ لأنَّه يجوزُ للأسِيرِ فِداءُ نَفْسِه بالمالِ، فكذا هذا (٢٠)، ولأنَّ بَذْلَ (٢١) المالِ إنْ كان فيه صَغارٌ، فإنَّه يجوزُ تَحَمُّلُه لدَفْعِ صَغارٍ أعْظمَ منه، وهو القَتْلُ، والأَسْرُ، وسَبْىُ الذُّرِّيَّةِ الذين يُفْضِى سَبْيُهم إلى كُفْرِهم. وقد رَوَى عبدُ الرزَّاق (٢٢)، فى المغازِى، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِىِّ، قال: أرْسَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عُيَيْنَةَ بن حِصْنٍ، وهو مع أبي سفيانَ -يعنى يومَ الأَحْزابِ-: "أَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ تَمْرِ الأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ، وتُخَذِّلُ بَيْنَ الأَحزَابِ؟ ". فأرْسَلَ إليه عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ لى الشَّطْرَ فَعَلْتُ. قال مَعْمَرٌ: فَحَدَّثَنِى ابنُ أبي نَجِيحٍ، أنَّ سعدَ بن مُعاذٍ وسَعْدَ بن عُبادَةَ قالا: يا رسولَ اللَّه، واللَّه لقد كان يَجُرُّ سُرْمَه فى الجاهليَّةِ فى عامِ السَّنَةِ حَوْلَ المدِينَةِ، ما يُطِيقُ أنْ يدْخُلَها، فالآنَ حينَ جاءَ اللهُ بالإسلامِ، نُعْطِيهِم ذلك! فقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَنَعَمْ إذًا". ولولا أنَّ ذلك جائِزٌ، لَما بَذَلَه النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ورُوِىَ أنَّ الحارِثَ بن عمرِو الغَطَفانِىَّ، بَعَثَ إلى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: إنْ جَعَلْتَ لى شَطْرَ ثِمارِ المدينةِ، وإلَّا مَلأْتُها عليك خَيْلًا ورجالًا (٢٣). فقال له النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حَتَّى أُشَاوِرَ السُّعُودَ". يعنى سعدَ بن عُبادَةَ، وسعدَ بن مُعاذٍ، وسعدَ بن زُرارَةَ، فشاوَرَهم النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالُوا: يا رسولَ اللَّه، إنْ كان هذا أمْرًا من السماءِ، فتَسْلِيمٌ لأَمْرِ اللَّه تعالى، وإنْ كان برأْيِكَ وهواكَ، اتَّبَعْنا رأيَكَ وهَواكَ، وإنْ لم يكُنْ أمْرًا من السماءِ ولا برأْيِكَ وهواكَ، فوالله ما كُنَّا نُعطِيهم فى الجاهِلِيَّةِ بُسْرَةً ولا تَمْرةً إلَّا شِراءً أو قِرًى، فكيفَ (٢٤) وقد أعزَّنا اللَّه بالإِسلامِ! فقال النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرسولِه: "أَتَسْمَعُ؟ " (٢٥)


(١٩) فى أ: "إذا".
(٢٠) فى م: "ههنا".
(٢١) في م: "بذله".
(٢٢) فى: باب وقعة الأحزاب وبنى قُرَيْظَة، من كتاب المغازى. المصنِّف ٥/ ٣٦٧، ٣٦٨.
(٢٣) فى م: "ورجْلا".
(٢٤) سقط من: أ.
(٢٥) عزاه صاحب مجمع الزوائد إلى البزار والطبرانى. انظر: مجمع الزوائد ٦/ ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>