للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن ادَّعَى أنَّ العَبْدَ أبَقَ من يَدِه، وأن الدَّابَةَ شَرَدَتْ أو نَفَقَتْ، وأنْكَرَ المُؤْجِرُ، فعن أحمدَ رِوَايَتانِ؛ إحْداهما، أنَّ القولَ قولُ المُسْتَأْجِرِ؛ لما ذَكَرْنا، ولا أجْرَ عليه إذا حَلَفَ أنَّه ما انْتَفَعَ بها، لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الانْتِفاعِ. والثانية، القولُ قولُ المُؤْجِرِ؛ لأنَّ الأصْلَ السَّلَامةُ. فأمَّا إن ادَّعَى أن العَبْدَ مَرِضَ في يَدِه، نَظَرْنا؛ فإن جاءَ به صَحِيحًا، فالقولُ قولُ المالِكِ، سواءٌ وافَقَهُ العَبْدُ أو خَالَفَه. نَصَّ عليه أحمدُ. وإن جاءَ به مَرِيضًا، فالقولُ قولُ المُسْتَأْجِرِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه إذا جاءَ به صَحِيحًا فقد ادَّعَى ما يُخَالِفُ الأصْلَ، وليس معه دَلِيلٌ عليه (٧٢)، وإن جاءَ به مَرِيضًا، فقد وُجِدَ ما يُخَالِفُ الأصْلَ يَقِينًا، فكان القولُ قولَه في مدَّةِ المَرَضِ، لأنَّه أعْلَمُ بذلك، لِكَوْنِه في يَدِه. وكذلك إن ادَّعَى إبَاقَهُ في حالِ إِبَاقِه، أو جاءَ به غيرَ آبِقٍ. ونَقَلَ إسحاقُ بن منصورٍ، عن أحمدَ، أنَّه يُقْبَلُ قَولُه في إبَاقِ العَبْدِ، دُونَ مَرَضِه. وبه قال الثَّوْرِىُّ، وإسحاقُ. قال أبو بكرٍ: وبالأَوَّلِ أقُولُ؛ لأنَّهما سواءٌ في تَفْوِيتِ مَنْفَعَتِه، فكانا سَوَاءً في دَعْوَى ذلك. وإن هَلَكَتِ العَيْنُ، فاخْتَلَفَا في وَقْتِ (٧٢) هَلَاكِها، أو أبَقَ العَبْدُ، أو مَرِضَ، فاخْتَلَفَا في وَقْتِ ذلك، فالقولُ قولُ المُسْتَأْجِرِ، لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ العَمَلِ ولأنَّ ذلك حَصَلَ في يَدِه وهو أعْلَمُ به.

فصل: إذا دَفَعَ ثَوْبَهُ إلى خَيَّاطٍ أو قَصَّارٍ، لِيَخِيطَه أو يَقْصِرُه، من غيرِ عَقدٍ ولا شَرْطٍ، ولا تَعْوِيضٍ بأجْرٍ، مثل أن يقولَ: خُذْ هذا فَاعْمَلْهُ، وأنا أعْلَمُ أنك إنَّما تَعْمَلُ بأجْرٍ. وكان الخَيَّاطُ والقَصَّارُ مُنْتَصِبَيْنِ لذلك، ففَعَلَا ذلك، [فلهما الأجْرُ. وقال أصحابُ الشافِعِىِّ: لا أجْرَ لهما؛ لأنهما فَعَلَا ذلك] (٧٣) من غيرِ عِوَضٍ جُعِلَ لهما، فأشْبَهَ ما لو تَبَرَّعَا بِعَمَلِه. ولَنا، أنَّ العُرْفَ الجارِىَ بذلك يَقُومُ مَقَامَ القَوْلِ، فصَارَ كَنَقْدِ البَلَدِ، وكما لو دَخَلَ حَمَّامًا، أو جَلَسَ في سَفِينَةٍ مع مَلَّاحٍ، ولأنَّ شَاهِدَ الحالِ يَقْتَضِيه، فصارَ كالتَّعْوِيضِ. فأمَّا إن لم يكُونَا مُنتَصِبَيْنِ لذلك، لم يَسْتَحِقَّا أجْرًا


(٧٢) سقط من: الأصل.
(٧٣) سقط من الأصل. نقل نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>