للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه الخِيارُ، رَجَعَ بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، كما لو وَجَدَ أحَدَهما مَعِيبًا فَرَدَّه، وإنْ شَرَطَ الخِيارَ فى أحَدِهِما لا بِعَيْنهِ، أو شَرَطَ الخِيارَ لأحَدِ المُتَعاقِدَيْنِ لا بِعَيْنِهِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ، فأشْبَهَ ما لو اشْتَرَى واحِدًا من عَبْدَيْنِ لا بعَيْنِه. ولأنَّه يُفْضِى إلى التَّنازُعِ، ورُبَّما طَلَبَ كُلُّ واحَدٍ من المُتَعاقِدَيْنِ ضِدَّ ما يَطْلُبُه الآخَرُ، ويَدَّعِى أنَّنِى المُسْتَحِقُّ لِلْخِيارِ، [أو يَطْلُبُ] (٩) مَنْ له الخِيارُ رَدَّ أحَدِ المَبيعَيْنِ، ويقولُ الآخَرُ: ليس هذا الذى شَرَطْتُ لكَ الخِيارَ فيه. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ شَرْطُ الخِيارِ فى أحَدِ المَبيعَيْنِ بِعَيْنِه، كما لا يَصِحُّ بَيْعُه بِقِسْطِه من الثَّمَنِ، وهذا الفَصْلُ كُلُّهُ مذهبُ الشَّافِعِىِّ.

فصل: وإن شَرَطَ الخِيارَ لِأجْنَبِىٍّ، صَحَّ، وكان اشْتِراطًا لِنَفْسِه، وتَوْكِيلًا لِغَيْرِه، وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومالِكٍ. ولِلشَّافِعِىِّ فيه (١٠) قَوْلَانِ؛ أحدهما، لا يَصِحُّ، وكَذلك قال القاضى: إذا أطْلَقَ الخِيارَ لِفُلانٍ، أو قال لِفُلانٍ دُونِى. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الخِيارَ شُرِعَ (١١) لِتَحْصيلِ الحَظِّ لكلِّ واحَدٍ من المُتَعاقِدَيْن بِنَظرَهِ، فلا يَكونُ لِمَنْ لا حَظَّ له فيه (١٢). وإن جَعَلَ الأجْنَبِىَّ وَكِيلًا، صَحَّ. ولنا، أنَّ الخِيارَ يَعْتَمِدُ شَرْطَهما، ويُفَوِّضُ إليهما، وقد أمْكَنَ تَصْحِيحُ شَرْطِهما، وتَنْفِيذُ تَصَرُّفِهما على الوَجْهِ الذى ذَكَرْناهُ، فلا يجوزُ إلْغَاؤُه مع إمْكانِ تَصْحيحِه؛ لِقَوْلِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ" (١٣). فعلى هذا، يكونُ لِكُلِّ واحِدٍ من المُشْتَرِطِ وَوَكيلِه الذى شَرَطَ الخِيارَ له الفَسْخُ. ولو كان المَبِيعُ عَبْدًا، فَشَرَطَ الخيِارَ له، صَحَّ، سواءٌ شَرَطَهُ له البائِعُ، أو المُشْتَرِى؛ لأنَّه بِمَنْزِلَةِ الأجْنَبِىِّ. وإن كان العاقِدُ وَكيلًا، فشَرَطَ الخِيارَ لِنَفْسِه، صَحَّ، فإنَّ النَّظَرَ فى تَحْصِيلِ الحَظِّ مُفَوَّضٌ


(٩) فى الأصل: "ويطلب".
(١٠) سقط من: الأصل.
(١١) فى م: "شرط".
(١٢) سقط من: الأصل.
(١٣) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>