للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَائِمًا مَقَامَهُ، فإن عَفَا الرَّاهِنُ عن المالِ، فقال القاضى: يَسْقُطُ حَقُّ الرَّاهِنِ دون حَقِّ المُرْتَهِنِ، فَتُؤْخَذُ القِيمَةُ تكون رَهْنًا، فإذا زَالَ الرَّهْنُ رَجَعَ الأَرْشُ إلى الجانِى، كما لو أقَرَّ أن الرَّهْنَ مَغْصُوبٌ أو جَانٍ. وإن اسْتَوْفَى الدَّيْنَ من الأَرْشِ، احْتَمَلَ أن يَرْجِعَ الجانِى على العَافِى؛ لأنَّ مَالَهُ ذَهَبَ فى قَضَاءِ دَيْنِه، فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُه، كما لو غَصَبَهُ أو اسْتَعَارَهُ فرَهَنَهُ، واحْتَمَلَ أن لا يَرْجِعَ عليه؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه فى حَقِّ الجانِى ما يَقتَضِى وُجُوبَ الضَّمَانِ، وإنَّما اسْتُوفِىَ بِسَبَبٍ كان منه حالَ مِلْكِه، فأَشْبَهَ ما لو جَنَى إنْسَانٌ على عَبْدِه. ثمَّ وَهَبَهُ لغيرِه، فتَلِفَ بالجِنَايَةِ السَّابِقَةِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَصِحُّ العَفْوُ مُطْلَقًا، ويُؤْخَذُ من الرَّاهِنِ قِيمَتُه تكونُ رَهْنًا، لأنَّه أسْقَطَ دَيْنَه عَن غَرِيمه، فصَحَّ، كسائِرِ دُيُونِه. قال: ولا يُمْكِنُ كَوْنُه رَهْنًا مع عَدَمِ حَقِّ الرَّاهِنِ فيه، فلَزِمَتْهُ القِيمَةُ، لِتَفْوِيتِه حَقَّ المُرْتَهِنِ، فأشْبَه. ما لو تَلِفَ بَدَلُ الرَّهْنِ. وقال الشَّافِعِيُّ: لا يَصِحُّ العَفْوُ أَصْلًا؛ لأنَّ حَقَّ المُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ به، فلم يَصِحّ [عَفْوُ الرَّاهِنِ عنه] (٤) كالرَّهْنِ نَفْسِه، وكما لو وُهِبَ الرَّهْنُ أو غُصِبَ، فَعُفِىَ عن غَاصِبِه. وهذا أصَحُّ فى النَّظَرِ، وإن قال المُرْتَهِنُ: أسْقَطْتُ حَقِّى من ذلك. سَقَطَ؛ لأنَّه يَنْفَعُ الرَّاهِنَ ولا يَضُرُّهُ. وإن قال: أسْقَطْتُ الأَرْشَ. أو: أَبْرَأْتُ منه. لم يَسْقُطْ؛ لأنَّه مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ، فلا يَسْقُطُ بإسْقَاطِ غيرِه. وهل يَسْقُطُ حَقُّه؟ فيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، يَسْقُطُ. وهو قولُ القاضى؛ لأنَّ ذلك يَتَضَمَّنُ إسْقَاطَ حَقِّه، فإذا لم يَسْقُطْ حَقُّ غيرِه سَقَطَ حَقُّهُ، كما لو قال: أسْقَطْتُ حَقِّى وحَقَّ الرَّاهِنِ. والثانِى: لا يَسْقُطُ؛ لأنَّ العَفْوَ والإِبرَاءَ منه لا يَصِحُّ. فلم يَصِحَّ ما تَضَمَّنَهُ.

فصل: وإذا أقَرَّ رَجُلٌ بالجِنَايَةِ على الرَّهْنِ، فكَذَّبَاهُ، فلا شَىْءَ لهما. وإن كَذَّبَهُ المُرْتَهِنُ، وصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ، فله الأَرْشُ، ولا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فيه، فإِن صَدَّقَهُ المُرْتَهِنُ وَحْدَه، تَعَلَّقَ حَقُّه بالأَرْشِ، وله قَبْضُه. فإذا قَضَى الرَّاهِنُ الحَقَّ، أو أَبْرَأَهُ


(٤) فى م: "العفو".

<<  <  ج: ص:  >  >>