للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يَهَبَ إلَّا بإذْنِ سَيِّدِه؛ لأنَّه مالٌ لِسَيِّدِه، ومالُه مالٌ لِسَيِّدِه، فلا يجوزُ له إزَالَةُ مِلْكِ سَيِّدِه عنه بغير إذْنِه، كالأجْنَبِيِّ. وله أن يَقْبَلَ الهِبَةَ بغير إذْنِ سَيِّدِه. نَصَّ عليه أحمدُ؛ لأنَّه تَحْصِيلٌ لِلْمَالِ لسَيِّدِه (١٣)، فلم يُعْتَبَرْ إذْنُه فيه، كالالْتِقاطِ (١٤)، وما وُهِبَهُ لِسَيِّدِه، لأنَّه من اكْتِسَابِه، فأشْبَه اصْطِيَادَه.

٩٣٤ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا فَاضَلَ بَيْنَ وَلَدِه فِي الْعَطِيَّةِ، أُمِرَ برَدِّه، كَأَمْرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-)

وجملةُ ذلك أنَّه يَجِبُ على الإِنْسانِ التَّسْوِيةُ بين أوْلَادِه في العَطِيَّةِ، إذا لم يَخْتَصَّ أحَدُهُم بمَعْنًى يُبِيحُ (١) التَّفْضِيلَ، فإن خَصَّ بعضَهم بِعَطِيَّتِه، أو فاضَلَ بينهم فيها، أَثِمَ، ووَجَبَتْ عليه التَّسْوِيَةُ بأحَدِ أمْرَيْنِ؛ إمَّا رَدُّ ما فَضَّلَ به البعضَ، وإمَّا إتْمَامُ نَصِيبِ الآخَرِ. قال طاوُسٌ: لا يجوزُ ذلك، ولا رَغِيفٌ مُحْتَرِقٌ. وبه قال ابنُ المُبَارَكِ. ورُوِىَ مَعناه عن مُجَاهِدٍ، وعُرْوَةَ. وكان الحَسَنُ يَكْرَهُه، ويُجِيزُه في القَضَاءِ. وقال مالِكٌ، واللَّيْثُ، والثَّوْرِيُّ، والشافِعيُّ، وأصحابُ الرَّأْى: ذلك جائِزٌ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن شُرَيْحٍ، وجابِرِ بن زَيْدٍ، والحَسَنِ بن صالحٍ؛ لأنَّ أبا بكرٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، نَحَلَ عائِشَةَ ابْنَتَه جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا، دونَ سائِر وَلَدِه (٢). واحْتَجَّ الشافِعِيُّ بقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، في حَدِيثِ النُّعْمانِ بن بَشِيرٍ: "أشْهِدْ عَلَى هذَا غَيْرِى" (٣). فأمَرَهُ


(١٣) في م: "للسيد".
(١٤) في م: "كالألفاظ". ولعل ما أثبتناه هو القراءة الصحيحة لما في الأصل.
(١) في الأصل: "ينتج".
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٢٠٦.
(٣) أخرجه مسلم، في: باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، من كتاب الهبات. صحيح مسلم ٣/ ١٢٤٤. وأبو داود، في: باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٦٢ وابن ماجه، في: باب الرجل ينحل ولده، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٩٥. والإِمام مالك، في: باب ما لا يجوز من النحل، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٥١، ٧٥٢. والإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢٦٩، ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>