للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمِينَ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (٥). والكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبتُهم بعدَ القُدْرَةِ، كما تقبلُ قبلَها، ويسْقُطُ عنهم القتلُ والقَطْعُ في كلِّ حالٍ، والمُحاربَةُ قد تكونُ من المسلمين؛ بدليلِ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٦).

١٥٩٤ - مسألة؛ قال: (والْمُحارِبُونَ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلْقَوْمِ بالسِّلَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ، فَيَغْصِبُونَهُم الْمالَ مُجَاهَرَةً)

وجملتُه أنَّ المحاربين الذين تثْبُتُ لهم أحْكامُ المُحارَبَةِ التي نذْكرُها بعدُ، تُعْتَبرُ لهم شروطٌ ثلاثةٌ؛ أحدُها، أن يكونَ ذلك في الصَّحْراءِ، فإن كان ذلك منهم في القُرَى والأمْصارِ، فقد توقَّفَ أحمدُ، رَحِمه اللهُ، فيهم، وظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ أنَّهم غيرُ مُحارِبِينَ. ويه قال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، وإسحاقُّ؛ لأنَّ الواجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطريقِ، وقَطْعُ الطريقِ إنما هو في الصَّحْراءِ، ولأنَّ من في المِصْرِ يَلْحَقُ به الغَوْثُ غالبًا، فتذهبُ شَوْكَةُ المُعْتَدِينَ، ويكونون مُخْتلِسِينَ، والمُخْتلِسُ ليس بقاطِعٍ، ولا حَدَّ عليه. وقال كثيرٌ من أصْحابنا: هو قاطِعٌ حيثُ كان. وبه قال الأوْزاعِىُّ، والليثُ، والشَّافِعِىُّ، وأبو يوسفَ، وأبو ثَوْر؛ لتَناوُلِ الآيةِ بعُمومِها كُلَّ مُحارِبٍ، ولأنَّ ذلك إذا وُجِدَ في المِصْرِ كان أعظمَ خَوْفًا، وأكْثَر ضَررًا، فكان بذلك أوْلَى. وذكر القاضي أنَّ هذا إن كانَ في المِصْرِ، مثلَ أنْ كَبَسُوا دارًا، فكان أهلُ الدارِ بحيثُ لو صاحُوا أدْرَكَهم الغَوْثُ، فليسَ هؤلاءِ بقُطَّاعِ (١) طَرِيقٍ؛ لأنَّهم في مَوْضعِ يَلْحَقُهمُ الغَوْثُ عادَةً، وإن حَصَرُوا قريةً أو بلدًا ففتحُوه، وغَلَبُوا على أهلِه، أو مَحَلَّةً مُفْرَدَةً (٢)، بحيثُ


(٥) سورة المائدة ٣٤.
(٦) سورة البقرة ٢٧٨، ٢٧٩.
(١) في الأصل: "قطاع".
(٢) في م: "منفردة".

<<  <  ج: ص:  >  >>