فصل: وإذا أذَّنَ في الوقتِ، كُرِهَ له أنْ يَخْرُجَ من المسجِدِ، إلَّا أن يكونَ لحَاجَةٍ ثم يَعُود؛ لأنَّه رُبَّما احْتِيجَ إلى إقامةِ الصلاةِ فلا يُوجَدُ. وإنْ أذَّنَ قبلَ الوقتِ لِلفجرِ، فلا بَأْسَ بِذَهَابِه؛ لأنَّه لا يُحْتَاجُ إلى حُضُورِه. قال أحمدُ، في الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ في اللَّيْلِ، وهو على غيرِ وُضُوءٍ، فيَدْخُلُ المنزلَ، ويَدَعُ المسجِدَ: أرْجُو أن يكونَ مُوَسَّعًا عليه، ولكن إذا أذَّنَ وهو مُتَوَضِّىءٌ في وقتِ الصلاةِ، فلا أرَى له أنْ يَخْرُجَ مِن المسجِدِ حتَّى يُصَلِّىَ، إِلَّا أنْ تكونَ له الحاجَةُ.
فصل: وإنْ أذَّنَ المُؤَذِّنُ في بَيْتِهِ، وكانَ قريبًا مِنَ المسجِدِ، فلا بأْسَ، وإنْ كانَ بعيدًا فلَا؛ لأنَّ القَرِيبَ أذَانُهُ مِنْ عِنْد المَسْجِدِ، فيَأْتِيه السَّامِعُون لِلأذَانِ، والبَعِيدَ رُبَّما سَمِعَهُ مَنْ لا يَعْرِفُ المسجِدَ، فيَغْتَرُّ به ويَقْصِدُه، فيَضِيعُ عن المسجِد، وقَدْ رُوِىَ (٣٠) في الَّذِى يُؤَذِّنُ في بيتِه، وبَيْنَهُ وبين المسجِدِ طَرِيقٌ يُسْمِعُ الناسَ: أَرْجُو أنْ لا يَكوُنَ بهِ بأسٌ. وقال، في روايَةِ إبراهيمَ الحَرْبِىِّ، فِيمَنْ يُؤَذِّنُ في بَيْتِهِ على سَطْحٍ: معاذ اللَّه، ما سَمِعْنَا أنَّ أحدًا يَفْعَلُ هذا. فالأوَّلُ المُرَادُ بهِ القريبُ، ولهذا كان بلَالٌ يُؤَذِّن على سَطْحِ امْرَأةٍ مِنْ قُرَيْش، لَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنَ المسجِدِ عاليًا. والثَّانِى مَحْمُولٌ على البَعِيدِ؛ لما ذكرْناهُ.
فصل: إذا أذَّنَ المُؤَذِّنُ، وأقام، لم يُسْتَحَبُّ لسَائِرِ النَّاس أنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ إنْسانٍ مِنْهُمْ في نَفْسِه ويُقِيمَ، بعدَ فَرَاغِ المُؤَذِّنِ، ولكنْ يقولُ مِثْلَ ما يقولُ المُؤَذِّنُ؛ لأنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بهذا. واللهُ أعلمُ.