للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَبَنَ الآدَمِيَّةِ يُرادُ لِلرَّضاعِ، ويُرَغِّبُ فيها ظِئرًا (٦) ويُحَسِّنُ بَدَنَها (٧)، ولذلك لو اشْتَرَطَ كَثْرَةَ لَبَنِها، فبانَ بخِلافِه، مَلَكَ الفَسْخَ، ولو لم يكن مَقْصُودًا لما ثَبَتَ بِاشْتِرَاطِه، ولا مَلَكَ الفَسْخَ بِعَدَمِه. ولأنَّ الأتانَ والفَرَسَ يُرادانِ لِوَلَدِهما. والثانى، لا يَثْبُتُ به الخِيارُ؛ لأنَّ لَبَنَها لا يُعْتاضُ عنه في العادةِ، ولا يُقْصَدُ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ، والخَبَرُ وَرَدَ في بَهِيمَةِ الأنْعَامِ، ولا يَصِحُّ القِياسُ عليه؛ لأنَّ قَصْدَ لَبَنِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ أكْثَرُ، واللَّفْظُ العامُّ أُرِيدَ به الخاصُّ؛ بِدَلِيلِ أنَّه أمَرَ في رَدِّها بِصاعٍ من تَمْرٍ، ولا يَجِبُ في لَبَنِ غيرها، ولأنَّه وَرَدَ عامًّا وخاصًّا في قَضِيَّةٍ واحِدَةٍ، فَيُحْمَلُ العامُّ على الخاصِّ، ويكون المُرادُ بالعامِّ في أحَدِ الحَدِيثَيْنِ (٨) الخاصَّ في الحَدِيثِ الآخَرِ. وعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، إذا رَدَّها لم يَلْزَمْ بَدَلُ لَبَنِها، ولا يَرُدُّ معها شَيْئًا؛ لأنَّ هذا اللَّبَنَ لا يُبَاعُ عَادَةً، ولا يُعاوضُ عنه.

فصل: وكلُّ تَدْلِيسٍ يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ لأجْلِه، مثل أنْ يُسَودَ شَعْرَ الجارِيَةِ، أو يُجَعِّدَه، أو يُحَمِّرَ وَجْهَهَا، أو يُضْمِرَ الماءَ على الرَّحَا، ويُرْسِلَه عندَ عَرْضِهَا على المُشْتَرِي، يُثْبِتُ الخِيَارَ؛ لأنَّه تَدْلِيسٌ بما يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلافِه فأثْبَتَ الخِيارَ، كالتَّصْرِيَةِ، وبهذا قال الشَّافِعِيُّ. وَوافَقَ أبو حنيفةَ في تَسْوِيدِ الشَّعْرِ. وقال في تَجْعِيدِه: لا يَثْبُتُ به الخِيارُ؛ لأنَّه تَدْلِيسٌ بما لَيْسَ بِعَيْبٍ، أشْبَهَ ما لو سَوَّدَ أنامِلَ العَبْدِ، لِيَظُنَّه كاتِبًا أو حَدَّادًا. ولَنا، أنَّه تَدْلِيسٌ بما يَخْتَلِفُ به الثَّمَنُ، أشْبَهَ تَسْوِيدَ الشَّعْرِ، وأمَّا تَسْوِيدُ الأنامِلِ، فليس بمُخْتَصٍّ بِكَوْنِه كاتِبًا؛ لأنَّه يَحتمِل أنْ يكونَ قد وَلَغَ بالدَّواةِ، أو كان غُلامًا لِكاتِبٍ يُصْلِحُ له الدَّواةَ، فظَنُّه كاتِبًا، طَمَعٌ لا يَسْتَحِقُّ به فَسْخًا، فإن حَصَل هذا من غيرِ تَدْلِيسٍ، مثل أنْ يَجْتَمِعَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ من غيرِ قَصْدٍ، أو احْمَرَّ وَجْهُ الجارِيَةِ لِخَجَلٍ أو تَعَبٍ، أو تَسَوَّدَ شَعْرُها بشىءٍ وَقَعَ


(٦) الظِّئر: المرضعة لغير ولدها.
(٧) في م: "ثديها".
(٨) في الأصل: "الجانبين".

<<  <  ج: ص:  >  >>