للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلْيُؤَاجِرْ نَفْسَه بأَكْلِهِ وعَقِبِه، حتى يَقْضِىَ نُسُكَه. وعن مالِكٍ: إن كان يُمْكِنُه المَشْىُ، وعَادَتُه سُؤَالُ الناس، لَزِمَهُ الحَجُّ؛ لأنَّ هذه الاسْتِطاعَةُ فى حَقِّه، فهو كواجِدِ الزَّادِ والرَّاحِلَةِ. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَّرَ الاسْتِطاعَةَ بالزَّادِ والرَّاحِلَةِ، فوَجَبَ الرُّجُوعُ إلى تَفْسِيرِه، فرَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (٩)، بإسْنَادِه عن جابِرٍ، وعبدِ اللهِ ابن عمرَ، وعبدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاص، وأنَسٍ، وعائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ ما السَّبِيلُ؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَةُ". ورَوَى ابنُ عمرَ، قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما يُوجِبُ الحَجَّ؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَةُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (١٠). وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ، ورَوَى الإِمامُ أحمدُ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عن يُونُسَ، عن الحسنِ، قال: لمَّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (١١) قال رَجلٌ: يا رسولَ اللهِ، ما السَّبِيلُ؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَةُ" (١٢). ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، فاشْتُرِطَ لِوُجُوبِها الزَّادُ والرَّاحِلَةُ، كالجِهادِ، وما ذَكَرُوه ليس باسْتِطَاعَةٍ، فإنَّه شَاقٌّ، وإن كان عَادَةً، والاعْتِبارُ بِعُمُومِ الأحْوَالِ دُونَ خُصُوصِها، كما أنَّ رُخَصَ السَّفَرِ تَعُمُّ مَن يَشُقُّ عليه، ومن لا يَشُقُّ عليه.

فصل: ولا يَلْزَمُه الحَجُّ بِبَذْلِ غَيْرِه له، ولا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بذلك، سواءٌ كان الباذِلُ قَرِيبًا أو أجْنَبِيًّا، وسَوَاءٌ بَذَلَ له الرُّكُوبَ والزَّادَ، أو بَذَلَ له مَالًا. وعن الشَّافِعِىِّ أنَّه إذا بَذَلَ له وَلَدُه ما يَتَمَكَّنُ به من الحَجِّ، لَزِمَهُ؛ لأنَّه أمْكَنَه الحَجُّ مِن غيرِ مِنَّةٍ تَلْزَمُه، ولا ضَرَرٍ يَلْحَقُه، فلَزِمَهُ الحَجُّ، كما لو مَلَكَ الزَّادَ والرَّاحِلَةَ. ولَنا، أنَّ قولَ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوجِبُ الحَجَّ "الزَّادُ والرَّاحِلَةُ"، يَتَعَيَّنُ فيه تَقْدِيرُ مِلْكِ ذلك،


(٩) فى: أول كتاب الحج. سنن الدارقطنى ٢/ ٢١٥ - ٢١٨.
(١٠) فى: باب تفسير سورة آل عمران، من أبواب التفسير. عارضة الأحوذى ١١/ ١٢٤، ١٢٥.
(١١) سورة آل عمران ٩٧.
(١٢) تقدم تخريجه فى صفحة ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>