للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وأَكْلُ المَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ. فَيُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا جَمِيعًا. وهذا قَوْلُ مالِكٍ والشَّافِعِىِّ. وقَدْ قِيلَ: لا يُبَاحُ إلّا في السَّفَرِ الطَّوِيلِ. وقَوْلُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إلى قَوْلهِ: {فَتَيَمَّمُوا} (٢) يَدُلُّ بمُطْلَقِهِ على إباحةِ التَّيَمُّمِ في كلِّ سَفَرٍ؛ ولأنَّ السَّفَرَ القَصِيرَ يَكْثُرُ، فيكثرُ عَدَمُ الماءِ فِيه، فيُحْتَاجُ إلى التَّيَمُّمِ فِيه فيَنْبَغِى أنْ يَسْقُطَ به الفَرْضُ، كالطَّوِيلِ.

فصل: ولا فَرْقَ بين سَفَرِ الطَّاعَةِ والمَعْصِيَةِ؛ لأنَّ التَّيَمُّمَ عَزِيمةٌ، فلا يجوزُ تَرْكُه، بخِلَافِ بَقَّيةِ الرُّخَصِ، ولأنَّه حُكْمٌ لا يَخْتَصُّ بالسَّفَرِ، فأُبِيحَ في سَفَرِ المَعْصِيَةِ، كمَسْحِ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ.

فصل: فإنْ عَدِمَ الماءَ في الحَضَرِ، بأن انْقَطَعَ الماءُ عنهم، أو حُبِسَ في مِصْرٍ، فعليه التَّيَمُّمُ والصلاةُ. وهذا قولُ مالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وقال أبو حنيفة، في روايةٍ عنه: لا يُصَلِّى؛ لأنَّ اللهَ تعالى شَرَطَ السَّفَرَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ، فلا يجُوزُ. لغيرِه، وقد رُوِىَ عَن أحمدَ: أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ حُبِسَ في دَارٍ، وأُغْلِقَ عليه البابُ [بمَنْزِلِ المُضِيفِ] (٣)، أيَتَيَمَّمُ؟ قال: لا. ولَنا، ما رَوَى أبو ذَرٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ المُسْلِمِ، وإنْ لَمْ يَجِد الْماءَ عَشْرَ سِنِين. فإذَا وَجَدَ الماءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ. فَإنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ" (٤). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. فيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِه مَحَلُّ النِّزَاعِ، ولأنَّه عادِمٌ للمَاءِ، فأَشْبَه المُسَافِرَ. والآيةُ يَحْتَمِلُ أن يكونَ ذِكْرُ السَّفَرِ فيها خَرَجَ مَخْرَجَ (٥) الغَالِبِ، لأنَّ الغَالِبَ؛ أنَّ الماءَ إنَّما يُعْدَمُ (٦)، كما ذُكِرَ، في السَّفَرِ، وعدمُ وُجُودُ الكاتِبِ في الرَّهْنِ، وليسا شَرْطَيْنِ فيه، ولو كان حُجَّةً فالمَنْطوقُ مُقَدَّمٌ عليه، على أنَّ أبا حنيفة لا يَرَى دَلِيلَ


(٢) سورة المائدة ٦.
(٣) في الأصل: "بمنزلة الضيف".
(٤) تقدم في صفحة ١٩، وأخرجه أيضًا الترمذي، في: باب التيمم للجنب إذا لم يجد ماء، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٩٢. والإمام أحمد، في: المسند ٥/ ١٤٦، ١٤٧، ١٥٥، ١٨٠.
(٥) في الأصل: "محل".
(٦) في الأصل: "انعدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>