للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشِّرْكِ الذي لا ذَنْبَ أعظمُ منه، فلا يَسْتَحِقُّ بيَمِينِه دمَ مسلمٍ، ولا يَثْبُتُ بها قَتْلٌ. وقال القاضي: الأَوْلَى أن تُعْرَضَ عليه القَسامةُ، فإن أقْسَمَ، وجَبتِ الدِّيَةُ، وهذا قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَ المالِ بالقَسامةِ حَقٌّ له (٩)، فلا يَبْطُلُ بِرِدَّتِه، كاكْتسابِ المالِ بوُجوهِ الاكْتِسابِ، وكُفْرُه لا يَمْنَعُ يَمِينَه، فإنَّ الكافرَ تَصِحُّ يَمِينُه، وتُعْرَضُ عليه في (١٠) الدَّعاوَى، فإن حَلَفَ، ثَبَتَ القِصاصُ أو الدِّيَةُ، فإن عادَ إلى الإِسلامِ، كان له، وإن ماتَ كان فَيئًا. والصحيحُ، إن شاءَ اللهُ، ما قال أبو بكر؛ لأنَّ مالَ المُرْتَدِّ إمَّا أن يكونَ مِلْكُه قد زالَ عنه، وإمَّا مَوْقوفٌ، وحقوقُ المالِ حُكْمُها حُكْمُه؛ فإن قُلنَا بزَوالِ مِلْكِه، فلا حَقَّ له، وإن قُلنا: هو موقوفٌ. فهو قبلَ انْكِشافِ حالِه مَشْكُوكٌ فيه، فلا يَثْبُتُ الحكمُ بشَىءٍ مَشْكوكٍ فيه، فكيفَ وقَتْلُ المسلمِ أمرٌ كبيرٌ لا يَثْبُتُ مع الشُّبُهاتِ، ولا يُسْتَوْفَى مع الشكِّ. فأمَّا إِن ارتدَّ قبلَ مَوْتِ مَوْروثهِ، لم يكُنْ وارثًا، ولا حقَّ له، وتكونُ القَسامةُ لغيرِه من الوُرَّاثِ (١١). فإن لم يكُنْ للمَيِّتِ وارثٌ سِواهُ، فلا قَسامةَ فيه؛ لما ذكرْنا. وإن عادَ إلى الإِسلامِ قبلَ قَسامَةِ غيرِه، فقياسُ المذهَبِ أنَّه يدْخُلُ في القَسامَةِ؛ لأنَّه متى رجَعَ قبلَ قَسْمِ الميراثِ، قُسِمَ له. وقال القاضي: لا تعودُ القَسامةُ إليه؛ لأنَّها اسْتَحَقَّت على غيرِه. وإن ارتدَّ رجلٌ فقُتِلَ عبدُه، أو قُتِلَ ثم ارْتَدَّ، فهل له أن يُقْسِمَ؟ على وَجْهَين؛ بِناءً على الاخْتلافِ المُتقَدِّمِ. فإن عادَ إلى الإِسلامِ، عادتِ القَسامَةُ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّ بَدَلَ العَبْدِ.

فصل: ولا قَسامةَ فيما دونَ النَّفْسِ من الأطْرافِ والجِرَاحِ (١٢). ولا أعلمُ بينَ أهلِ العلمِ في هذا خلافًا، ومِمَّن قال: لا قسامةَ في ذلك. مالكٌ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ؛ وذلك لأنَّ القَسامةَ ثبَتتْ (١٣) في النَّفسِ لحُرْمَتِها، فاختَصَّتْ بها دونَ الأطْرافِ، كالكفَّارَةِ؛ ولأنَّها ثبتَتْ (١٣) حيث كان الْمَجنِيُّ عليه لا يُمْكِنُه التَّعْبيرُ عن


(٩) في ب، م: "عليه".
(١٠) سقط من: ب، م.
(١١) في ب، م: "الوارث".
(١٢) في م: "والجوارح".
(١٣) في ب، م: "ثبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>