للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمَ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، حَقُّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ؛ لأنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، لأنَّه يَثْبُتُ بالنِّكاحِ (٥٠)، وحَقُّ الزَّوْجِ بالطَّلَاقِ. والثاني، حَقُّ الزَّوْجِ أَوْلَى؛ لأنَّه ثَبَتَ بالنَّصِّ والإِجْمَاعِ، والشُّفْعَةُ ههُنا لا نَصَّ فيها ولا إِجْمَاعَ. فأمَّا إن عَفَا الشَّفِيعُ، ثم طَلَّقَ الزَّوْجُ، فرَجَعَ في نِصْفِ الشِّقْصِ، لم يَسْتَحِقَّ الشَّفِيعُ الأَخْذَ منه. وكذلك إن جاءَ الفَسْخُ من قِبَلِ المَرْأَةِ، فرَجَعَ الشِّقْصُ كلُّه إلى الزَّوْجِ، لم يَسْتَحِقَّ الشَّفِيعُ أخْذَه؛ لأنَّه عَادَ إلى المالِكِ لِزَوَالِ العَقْدِ، فلم يَسْتَحِقَّ به الشَّفِيعُ، كالرَّدِّ بالعَيْبِ. وكذلك كلُّ فَسْخٍ يَرْجِعُ به الشِّقْصُ إلى العاقِدِ، كرَدِّه بِعَيْبٍ، أو مُقَايَلَةٍ، أو اخْتِلَافِ المُتَبَايِعَيْنِ، أو رَدِّه لِغَبْنٍ. وقد ذَكَرْنا في الإِقَالَةِ رِوَايةً أُخْرَى، أنَّها بَيْعٌ، فتَثْبُتُ فيها الشُّفْعةُ. وهو قولُ أبي حنيفةَ. فعلى هذا لو لم يَعْلَم الشَّفِيعُ حتى تَقَايَلَا، فله أن يَأْخُذَ مِن أيِّهما شاءَ. وإن عَفَا عن الشُّفْعَةِ في البَيْعِ، ثم تَقَايَلَا، فله الأَخْذُ بها.

فصل: وإذا جَنَى جِنَايَتَيْنِ، عَمْدًا وخَطَأً، فصَالَحَهُ منهما على شِقْصٍ، فالشُّفْعَةُ في نِصْفِ (٥١) الشِّقْصِ دُونَ باقِيه. وبه قال أبو يوسفَ، ومحمدٌ. وهذا على الرِّوَايةِ التي نقولُ فيها: إنَّ مُوجِبَ العَمْدِ القِصَاصُ عَيْنًا. وإن قُلْنا: مُوجِبُه أحَدُ شَيْئَيْنِ. وَجَبَتِ (٥٢) الشُّفْعَةُ فَى الجَمِيعِ. وقال أبو حنيفةَ: لا شُفْعةَ في الجَمِيعِ؛ لأنَّ في الأَخْذِ بها تَبْعِيضَ الصَّفْقَةِ على المُشْتَرِى. ولَنا، أنَّ ما قابَلَ الخَطَأَ عِوَضٌ عن مالٍ، فوَجَبَتْ فيه الشُّفْعَةُ، كما لو انْفَرَدَ، ولأنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْ ما تَجِبُ فيه الشُّفْعَةُ وما لا تَجِبُ فيه، فوَجَبَتْ فيما تَجِبُ فيه دُونَ الآخَر، كما لو اشْتَرَى شِقْصًا وسَيْفًا (٥٣). وبهذا الأَصْلِ يَبْطُلُ ما ذَكَرَهُ. وقولُ أبى حنيفةَ أقْيَسُ؛ لأنَّ في الشُّفْعَةِ تَبْعِيضَ الشِّقْصِ على


(٥٠) في م: "بالبيع".
(٥١) في ب: "بعض".
(٥٢) في الأصل: "وجهت".
(٥٣) في الأصل: "أو سيفا".

<<  <  ج: ص:  >  >>