للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن شَرَطا الخِيارَ إلى اللَّيْلِ أو الغَدِ، لم يَدْخُلِ اللَّيْلُ والغَدُ فى مُدَّةِ الخِيارِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. ويَتَخَرَّجُ أن يَدْخُلَ، وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ "إلَى" تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى "مع"، كقَوْلِهِ تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (١٦)، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (١٧)، والخِيارُ ثابِتٌ بِيَقينٍ، فلا نُزيلُه بِالشَّكِّ. ولنا، أنَّ مَوْضوعَ "إلى" لِانْتِهاءِ الغايَةِ، فلا يَدْخُلُ ما بَعْدَها فيما قَبْلَها، كقَوْلِه سُبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١٨). وكالأجَلِ. ولو قال: أَنْتِ طالِقٌ من واحِدَةٍ إلى ثَلاثٍ. أو: له عَلَىَّ من درهمٍ إلى عَشَرَةٍ. لم يَدْخُلِ الدرهمُ العَاشِرُ، والطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وليس هاهُنا شَكٌّ؛ فإنَّ الأصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ على مَوْضُوعِهِ، فكَأنَّ الواضِعَ قال: مَتَى سَمِعْتُم هذه اللَّفْظَةَ، فَافْهَموا منها انتِهاءَ الغايةِ. وفى المَواضِعِ التى اسْتَشْهَدوا بها، حُمِلَتْ على مَعْنَى "مع" بِدَليلٍ، أو لِتَعَذُّرِ حَمْلِها على مَوْضُوعها، كما تُصْرَفُ سائِرُ حُروفِ الصِّلاتِ عن مَوْضُوعِها لِدَليلٍ، والأَصْلُ حَمْلُها على مَوْضُوعِها. ولأنَّ الأصْلَ لُزومُ العَقْدِ، وإنَّما خُولِفَ فيما اقْتَضاهُ الشَّرْطُ، فيَثْبُتُ ما يُتَيَقَّنُ منه، وما شَكَكْنا فيه رَدَدْناهُ إلى الأَصْلِ.

فصل: وإن شَرَطَ الخِيارَ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ، أو إلى غُروبِها، صَحَّ. وقال بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: لا يَصِحُّ تَوْقِيتُه بِطُلوعِها؛ لأنَّها قد تَتَغَيَّمُ، فلا يُعْلَمُ وَقتُ طُلُوعِها. ولنا، أنَّه تَعْليقٌ لِلْخِيارِ بِأمرٍ ظاهِرٍ مَعْلُومٍ، فيَصِحُّ (١٩)، كَتَعْليقِه بِغُروبِها. وطُلوعُ الشَّمْسِ، بُروزُها من الأُفُقِ، كما أنَّ غروبَها سُقوطُ القُرْصِ. ولذلك لو عَلَّقَ طَلاقَ امْرَأتِه، أو عِتْقَ عَبْدهِ، بِطُلوعِ الشَّمْسِ، وَقَعَ بِبُروزِها من الأُفُقِ. وإن عَرَضَ غَيْمٌ يَمْنَعُ المَعْرِفَةَ بِطُلوعِها، فَالخِيارُ ثابِتٌ حتى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَها، كما لو عَلَّقَهُ بِغُروبِها، فمَنَعَ الغَيْمُ المَعْرِفَةَ بِوَقْتِه. ولو جَعَلَ الخِيارَ إلى طُلوعِ


(١٦) سورة المائدة ٦.
(١٧) سورة النساء ٢.
(١٨) سورة البقرة ١٨٧.
(١٩) فى م: "فصح".

<<  <  ج: ص:  >  >>