للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحُكِىَ عن مالكٍ، أَنَّ له ذلك مِن غيرِ قُرْعةٍ. وليس بصَحِيحٍ، فإنَّ عائشةَ رَوَتْ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أرادَ سفرًا، أقْرَعَ بين نِسائِه، وأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها، خرَجَ بها معَه. مُتَّفَقٌ عليه (١). ولأنَّ فى المُسافَرةِ ببعْضهِنَّ من غيرِ قُرْعةٍ تفْضيلًا لها، ومَيْلًا إليها، فلم يَجُزْ بغيرِ قُرْعةٍ، كالبدايةِ بها فى القَسْمِ. وإن أحَبَّ المُسافرةَ بأكثرَ من واحدةٍ، أقْرَعَ أيضًا، فقد رَوَتْ عائشةُ، أَنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان إذا خرَجَ أقْرَعَ بين نِسائِه، فصارتِ القُرْعةُ لعائشةَ وحَفْصةَ. رَوَاه البُخارِىُّ (٢). ومتى سافَرَ بأكثرَ مِن واحدةٍ، سَوَّى بينهُنَّ كما يُسوِّى بينهنَّ فى الحَضَرِ، ولا يَلْزمُه القضاءُ للحاضِراتِ بعدَ قُدومِه. وهذا معنى قولِ الْخِرَقِىِّ: "فإذا قَدِمَ ابْتدأَ القَسْمَ بينهنَّ". وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وحُكِى عن داودَ أنَّه يَقْضِى؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} (٣). ولَنا، أَنَّ عائشةَ لم تذْكُرْ قضاءً فى حديثِها، ولأنَّ هذه التى سافرَ بها يَلْحقُها مِن مَشَقَّةِ السَّفَرِ بإزاءِ ما حصَلَ لها مِنَ السَّكَنِ، ولا يحصُلُ لها من السَّكَنِ مثلُ ما يحْصُلُ فى الحَضَرِ، فلو قَضَى للحاضراتِ، لَكان قد مالَ على المُسافِرةِ كلَّ المَيْلِ، لكن إن سافرَ بإحْداهُنَّ بغيرِ قُرْعةٍ، أثِمَ، وقَضَى للبواقى بعدَ سَفَرِه. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: لا يَقْضِى؛ لأنَّ قَسْمَ الحَضَرِ ليس بمثلٍ لقَسْمِ السَّفَرِ، فيتعذَّرُ القضاءُ. وَلنا، أنَّه خَصَّ بعضَهُنَّ بمُدَّةٍ، على وَجْهٍ تلحقُه التُّهْمةُ فيه، فلَزِمَه القضاءُ، كما لو كان حاضرًا. إذا ثبتَ هذا، فينْبَغِى أن لا يَلْزَمَه قضاءُ المُدَّةِ، وإنَّما يقْضِى منها ما أقامَ منها معها بمَبِيتٍ ونحوِه، فأمَّا زمانُ السَّيْرِ، فلم يحْصُلْ لها (٤) منه إِلَّا التَّعَبُ والمشقَّةُ، فلو جَعلَ للحاضرةِ فى مُقابَلةِ ذلك مَبِيتًا عندَها، واسْتِمْتاعًا بها، لَمالَ كلَّ المَيْلِ.

فصل: إذا خرَجتِ القُرْعةُ لإحْداهُنَّ، لم يجبْ عليه السَّفْرُ بها، وله تَركُها والسَّفَرُ


(١) تقدم تخريجه، فى: ٩/ ٤٣٠.
(٢) فى: باب القرعة بين النساء إذا أراد السفر، من كتاب النكاح. صحيح البخارى ٧/ ٤٣. وانظر تخريج الحديث السابق.
(٣) سورة النساء ١٢٩.
(٤) فى الأصل: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>