للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المَوَاضِعِ؛ لأنَّ حُكْمَ العارِيَّةِ باقٍ فيه، لكَوْنِها صارَتْ لَازِمَةً لِلضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِفَسْخِها، والإِعَارَةُ تَقْتَضِى الانْتِفَاعَ بغيرِ عِوَضٍ.

فصل: وإذا اسْتَعارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَها، جَازَ؛ لأنَّ إِجَارَتَها لذلك جَائِزَةٌ، والإِعَارَةُ أَوْسَعُ، لِجَوَازِها فيما لا تجوزُ إجَارَتُه، مثل إِعَارَةِ الكَلْبِ لِلصَّيْدِ. فإن اسْتَعَارهَا إلى مَوْضِعٍ، فجاوَزَهُ (٥١)، فقد تَعَدَّى، وعليه الأُجْرَةُ لِلزِّيَادَةِ خاصَّةً. فإذا اسْتَعَارَها إلى طَبَرِيَّة، فتَجَاوَزَ إلى القُدْسِ، فعليه أَجْرُ ما بين طَبَرِيَّة والقُدْس خاصَّة. وإن اخْتَلَفَا، فقال المالِكُ: أعَرْتُكَها إلى طَبَرِيَّةَ. وقال المُسْتَعِيرُ: أَعَرْتَنِيهَا إلى القُدْسِ. فالقولُ قولُ المالِكِ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وقال مالِكٌ: إن كان يُشْبِهُ ما قال المُسْتَعِيرُ، فالقولُ قولُه، وعليه الضَّمَانُ. ولَنا، أنَّ المالِكَ مُدَّعًى عليه، فكان القولُ قولَه، لقولِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (٥٢).

فصل: ومن اسْتَعَارَ شيئا، فانْتَفَعَ به، ثم ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا، فَلِمَالِكِه أَجْرُ مِثْلِه، يُطَالِبُ به مَنْ شَاءَ منهما، فإن ضَمِنَ المُسْتَعِيرُ، رَجَعَ على المُعِيرِ بما غَرِمَ؛ لأنَّه غَرَّهُ بذلك وغَرَّمَهُ، [لأنَّه دَخَلَ على أن لا أجْرَ عليه] (٥٣). وإن رَجَعَ على المُعِيرِ، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ، فإنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عليه. قال أحمدُ، في قَصَّارٍ دَفَعَ ثَوْبًا إلى غير صَاحِبِه، فلَبِسَه، فالضَّمَانُ على القَصَّارِ دُونَ اللَّابِسِ. وإن تَلِفَ فالقِيمَةُ تَسْتَقِرُّ على المُسْتَعِيرِ؛ لأنَّه دَخَلَ على العَيْنِ مَضْمُونةً عليه. فإن ضَمِنَ المُعِيرُ، رَجَعَ على المُسْتَعِيرِ، وإن ضَمِنَ المُسْتَعِيرُ، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ؛ لأنَّ الضَّمَانَ اسْتَقَرَّ عليه. وإن نَقَصَتِ العَيْنُ بالاسْتِعْمالِ، انْبَنَى على ضَمَانِ النَّقْصِ، فإن قُلْنا: هو على المُسْتَعِيرِ. فَحُكْمُه حُكْمُ


(٥١) في الأصل، أ: "فتجاوزه".
(٥٢) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٢٥.
(٥٣) سقط من: الأصل. وفى ب، م: "لا أجر له".

<<  <  ج: ص:  >  >>