للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخْرِجَ منه أو لم يُخْرَجْ؛ لأنَّه هَتَكَ الحِرْزَ بفِعْلٍ تَعَدَّى به. وإن خَرَقَ الكِيسَ فوقَ الشَّدِّ، فعليه ضَمان ما خَرَقَ خاصَّةً؛ لأنَّه ما هَتَكَ الحِرْزَ. وإن لم تكُنِ الدَّراهمُ فى كِيسٍ، أو كانت فى كيسٍ غيرِ مَشْدودٍ، أو كانت ثِيابًا فأخذَ منها واحدًا ثمَّ رَدَّه بعَيْنِه، لم يَضْمَنْ غيرَه؛ لأنَّه لم يتَعَدَّ فى غيرِه. وإن رَدّ بَدَلَه وكان مُتَمَيِّزًا، لم يضْمَنْ غيرَه لذلك، وإن لمِ يكُنْ مُتَميِّزًا، فظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ ههُنا أنَّه لا يَضْمَنُ غيرَه؛ لأنَّ التَّعدِّىَ اخْتَصَّ به، فيخْتَصُّ الضَّمانُ به، وخَلْطُ الْمَرْدُودِ بغيرِه لا يقْتَضِى الضَّمانَ؛ لأنَّه يجبُ رَدُّه معها، فلم يُفَوِّتْ على نَفْسِه إمكانَ رَدِّها (٢)، بخلافِ ما إذا خَلَطَه بغيرِه. ولو أَذِنَ له صاحبُ الوَدِيعَةِ فى الأخْذِ منها، ولم يَأْمُرْه برَدِّ بَدَلِه، فأخَذَ ثمَّ رَد بَدَلَ ما أخذَ، فهو كرَدِّ بَدَلِ ما لم يُؤْذَنْ فى أخْذِه. وقال القاضى: يَضْمَنُ الكلَّ. وهو قولُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه خَلَطَ الوَدِيعةَ بما لا يَتَميَّزُ منها، فضَمِنَ الكُلَّ، كما لو خَلَطَها بغيرِ البَدَلِ. وقد ذكرْنا فَرْقًا بين البَدَلِ وغيرِه، فلا يصِحُّ القياسُ. وقال أبو حنيفةَ: إذا كَسَرَ خَتْمَ الكيس، لم يَلْزَمْه ضَمانُ الوديعةِ؛ لأنَّه لم يَتَعَدَّ فى غيرِه. ولَنا، أنَّه هَتَكَ حِرْزَها، فضَمِنَها إذا تَلِفَتْ، كما لو أوْدَعه إيَّاها فى صُنْدوقٍ مُقْفَلٍ (٣)، ففَتَحه وَتَرَكه مفتوحًا. ولا نُسَلِّمُ أنَّه لم يتَعدَّ فى غيرِ الخَتْمِ.

فصل: وإذا ضَمِنَ الوديعةَ بالاستعمالِ أو بالجَحْدِ، ثمَّ رَدَّها إلى صاحبِها، زال عنه الضَّمان، فإن ردها صاحبُها إليه، كان ابتداءَ اسْتِئمانٍ، وإن لم يَرُدَّها إليه، ولكنْ جَدَّدَ له الاستئْمانَ، أو أَبْرَأهُ من الضَّمانِ، بَرِئَ من الضَّمانِ، فى ظاهرِ المذهبِ؛ لأنَّ الضَّمانَ حَقُّه، فإذا أَبْرَأهُ منه بَرئَ، كما لو أَبْرَأَهُ من دَيْن فى ذِمَّتِه. وإذا جَدَّدَ له (٤) اسْتِئْمانًا، فقد انْتَهَى القبضُ المضْمونُ به، فزال الضَّمانُ. وقد قال أصحابُنا: إذا رَهَنَ المغْصوبَ عندَ الغاصبِ، أو أوْدعَه عندَه، زال عنه ضَمانُ الغَصْبِ، فههُنا أَوْلَى.


(٢) فى ب: "الرد".
(٣) فى ب: "بقفل".
(٤) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>