للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قولِ عامَّتِهم. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَنْ نحفظُ عنه من أهلِ العلمِ، على أنَّ قَطْعَ السَّارِقِ يجبُ، إذا شَهِدَ بالسَّرِقَةِ شاهدانِ حُرَّانِ مسلمانِ، ووصَفَا ما يُوجِبُ القَطْعَ. وإذا وَجَبَ القَطْعُ بشهادتِهما، لم يسقط بغَيْبَتِهما، ولا مَوْتِهما، على ما مَضَى في الشَّهَادَةِ بالزِّنَى. وإذا شَهِدَا بِسَرِقَةِ مالِ غائبٍ، فإن كان له وكيلٌ حاضِرٌ، فطالَبَ به، قُطِعَ السَّارِقُ، وإلَّا فلا.

فصل: وإذا اخْتلَفَ الشاهدان في الوَقْتِ، أو المكانِ، أو المَسْروقِ، فشَهِدَ أحدُهما أنَّه سَرَقَ يومَ الخميسِ، والآخَرُ أنه سَرَقَ يومَ الجمعةِ، أو شَهِدَ أحدُهما أنَّه سَرَقَ من هذا البيتِ، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه سَرَقَ من هذا البيتِ، أو قال أحدُهما: سرقَ ثورًا. وقال الآخَرُ. سَرَقَ بقرةً. أو قالَ: سَرَقَ ثورًا. وقال الآخرُ: سَرَقَ حمارًا. لم يُقْطَعْ. في قولِهِم جميعًا. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وإن قال أحدُهما: سَرَقَ ثوبًا أبْيَضَ. وقال الآخرُ: أسودَ. أو قال أحدهما: سَرَقَ هَرَوِيًّا. فقال الآخرُ: مَرْوِيًّا. لم يُقْطَعْ أيضًا. وبه قال الشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذرِ؛ لأنَّهما لم يتَّفِقَا على الشَّهَادَةِ بشيءٍ واحِدٍ، فأشْبَهَ ما لو اختلفَا في الذُّكُوريَّةِ والأنُوثيَّةِ وقال أبو الخَطَّاب: يُقْطَعُ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الاختلافَ لم يرجِعْ إلى نفسِ الشهادَةِ، ويحتَمِلُ أن أحدَهما غلَبَ على ظَنِّه أنَّه هَرَوِىٌّ، والآخرَ أنَّه مَرَوِىٌّ، أو كان الثوبُ فيه سوادٌ وبياضٌ. قال ابنُ المنذرِ: اللونُ أقربُ إلى الظُّهورِ من الذُّكُوريَّةِ والأُنوثيَّة، فإذا كان اختلافُهما فيما يَخْفَى (٢) يُبْطِلُ شهادتَهما، ففيما يظهرُ أوْلَى. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحدَهما ظَنَّ المسروقَ ذَكرًا، وظنَّه الآخَرُ أُنْثَى، وقد أوْجبَ هذا ردَّ شهادتِهما، فكذلك ههُنا. الثاني، الاعترافُ، ويُشْتَرَطُ فيه أنْ يَعْتَرِفَ مَرَّتَيْن، رُوِىَ ذلك عن عليٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه (٣). وبه قالَ ابنُ أبي ليلى، وأبو يوسفَ، وزُفَرُ، وابنُ شُبْرُمَةَ. وقال عطاءٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، ومحمدُ بنُ الحسنِ: يُقْطَعُ باعترافِ مَرَّةٍ؛ لأنَّه حَقٌّ


(٢) سقط من: ب، م.
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>