للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْدُومةً. قُلْنا: هي مُقَدَّرَةُ الوُجُودِ؛ لأنَّها جُعِلَت مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ، والعَقدُ لا يَرِدُ إلَّا على مَوْجُودٍ.

فصل: الحكم الخامس، أنَّ المُؤْجِرَ يَمْلِكُ الأُجْرَةَ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، إذْا أطْلَقَ ولم يَشْتَرِط المُسْتَأْجِرُ أجَلًا، كما يَمْلِكُ البائِعُ الثّمنَ بالبَيْعِ. وبهذا قال الشافِعِىُّ. وقال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ: لا يَملِكُها بالعَقْدِ، فلا يَسْتَحِقُّ المُطَالَبةَ بها إلَّا يَوْمًا بيومٍ، إلَّا أن يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَها. قال أبو حنيفةَ: إلَّا أن تكون مُعَيَّنةً، كالثَّوْبِ والعَبْدِ والدّارِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (٣٦). فأمَرَ بإِيتَائِهِنَّ بعدَ الإِرضَاعِ (٣٧)، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ أنَا خَصْمُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ، رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوَفِّه أَجْرَهُ" (٣٨). فتَوَعَّدَ على الامْتِناعِ من دَفْعِ الأجْرِ بعدَ العَمَلِ. دَلَّ (٣٩) على أنَّها حالةُ الوُجُوبِ. ورُوِى عنه عليه السَّلامُ أنَّه قال: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ". رَوَاهُ ابنُ ماجَه (٤٠)، ولأنَّه عِوَضٌ لم يَمْلكْ مُعَوَّضَه، فلم يَجِبْ تَسْلِيمُه، كالعِوَضِ في العَقْدِ الفاسِدِ، فإنَّ المنَافِعَ مَعْدُومةٌ لم تُمْلَكْ، ولو مُلِكَتْ فلم يَتَسَلَّمْها، لأنَّه يَتَسَلَّمُها شَيْئًا فشَيئًا. فلا يَجِبُ عليه العِوَضُ مع تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ فى العَقْدِ. ولَنا، أنَّه عِوَضٌ أُطْلِقَ ذِكْرُه في عَقْدِ مُعَاوَضةٍ، فيُسْتَحَقُّ بمُطْلَقِ العَقْدِ، كالثَّمنِ والصَّدَاقِ. أو نَقُولُ: عِوَض في عَقْدٍ يُتَعَجَّلُ بالشَّرْطِ، فوَجَبَ أن يُتَعَجَّلَ بمُطْلَقِ العَقْدِ، كالذى ذَكَرْنا (٤١). فأمَّا الآيةُ فيحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ الإِيتَاءَ عند الشُّرُوعِ في الإِرْضاعِ (٤٢)، أو تَسْلِيمِ نَفْسِها، كما قال تعالى: {فَإِذَا


(٣٦) سورة الطلاق ٦.
(٣٧) في ب، م: "الارتضاع".
(٣٨) تقدم تخريجه في صفحة ٦.
(٣٩) في م: "فدل".
(٤٠) في: باب أجر الأجراء, من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه ٢/ ٨١٧.
(٤١) في الأصل: "ذكره".
(٤٢) في م: "الرضاع".

<<  <  ج: ص:  >  >>