للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولا يجوزُ أن يُغْرَسَ في المَسْجِدِ شَجَرَةٌ. نَصَّ عليه أحمدُ، وقال: إن كانت غُرِسَتِ النَّخْلَةُ بعدَ أن صارَ مَسْجِدًا، فهذه غُرِسَتْ بغير حَقٍّ، فلا أُحِبُّ الأكْلَ منها، ولو قَلَعَها الإِمامُ لجازَ؛ وذلك لأنَّ المَسْجِدَ لم يُبْنَ لهذا، وإنَّما بُنِىَ لِذِكْرِ اللهِ والصَّلَاةِ وقِرَاءةِ القُرْآن، ولأنَّ الشَّجَرَةَ تُؤْذِى المَسْجِدَ وتَمْنَعُ المُصَلِّينَ من الصَّلَاةِ في مَوْضِعِها، ويَسْقُطُ وَرَقُها في المَسْجِدِ وثَمَرُها، وتَسْقُطُ عليها العَصَافِيرُ والطَّيْرُ فتَبُولُ في المَسْجِدِ، وربما اجْتَمَعَ الصِّبْيانُ في المَسْجِدِ من أجْلِها، ورَمَوْهَا بالحِجَارَةِ لِيَسْقُطَ ثَمَرُها. فأمَّا إن كانت النَّخْلَةُ في أرْضٍ، فجَعَلَها صاحِبُها مَسْجِدًا والنَّخْلَةُ فيها، فلا بَأْسَ. قال أحمدُ في مَوْضِعٍ: لا بَأْسَ. يَعْنِى أن يَبِيعَها من الجِيرَانِ. وقال، في رِوَايةِ أبى طالِبٍ، في النَّبْقَةِ: لا تُبَاعُ، وتُجْعَلُ لِلْمُسْلِمينَ وأهْلِ الدَّرْبِ يَأْكُلُونَها. وذلك، واللَّه أعلمُ، لأنَّ صاحِبَ الأرْضِ لمَّا جَعَلَها مَسْجِدًا والنَّخْلَةُ فيها، فقد وَقَفَ الأرْضَ والنَّخْلَةَ معها، ولم يُعَيِّنْ مَصْرِفَها، فصارَتْ كالوَقْفِ المُطْلَقِ الذي لم يُعَيَّنْ له مَصْرِفٌ، وقد ذَكَرْنا فيه في إحْدَى الرِّوَاياتِ، أنَّه لِلْمَساكِينِ. فأما إن قال صاحِبُها: هذه وَقْفٌ على المَسْجِدِ. فيَنْبَغِى أن يُبَاعَ ثَمَرُها، ويُصْرَفَ إليه، كما لو وَقَفَها على المَسْجِدِ وهى في غيرِه. قال أبو الخَطَّابِ: عندى أنَّ المَسْجدَ إذا احْتاجَ إلى ثَمَنِ ثَمَرةِ الشَّجَرَةِ، بِيعَتْ، وصُرِفَ ثَمَنُها في عِمَارَتِه. قال: وقولُ أَحمدَ: يَأُكُلُها الجِيرَانُ. مَحْمولٌ على أنَّهم يَعْمُرُونَهُ.

فصل: وما فَضَلَ من حُصْرِ المَسْجِدِ وزَيْتِه، ولم يُحْتَجْ إليه، جازَ أن يُجْعَلَ في مَسْجِدٍ آخَرَ، أو يُتَصَدَّق من ذلك على فُقَرَاءِ جِيرَانِه وغيرِهم، وكذلك إن فَضَلَ من قَصبِه أو شيءٍ من نِقْضِه. قال أحمدُ، في مَسْجِدٍ بُنِىَ، فبَقِىَ من خَشَبِه أو قَصبِه أو شيءٍ من نِقْضِه، فقال: يُعَانُ في مَسْجِدٍ آخَرَ. أو كما قال. وقال المَرُّوذِيُّ: سَأَلْتُ أبا عبدِ اللَّه عن بَوَارِى المَسْجِدِ (١٧)، إذا فَضَلَ منه الشىءُ، أو الخَشَبةُ. قال:


(١٧) بوارى المسجد: حصره.

<<  <  ج: ص:  >  >>