للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِلَقِ المسْجدِ، فيقولُ: مَن رآنى فلا يَشهَدْ بزُورٍ. ورُوِىَ عن (١٨) عبدِ الملكِ بنِ يَعْلَى، قاضى البَصْرةِ، أنَّه أمرَ بحَلْقِ نِصْفِ رُءوسِهم، وتَسْخِيمِ وُجوهِهم، ويُطافُ بهم فى الأسْواقِ، والذى (١٩) شَهِدُوا له معهم. ولَنا، أَنَّ هذا مُثْلَةٌ، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المُثْلَةِ (٢٠). وما رُوِىَ عن عمرَ، فقد رُوِىَ عنه خِلافُه، وأنَّه حبَسَه يومًا وخَلَّى سبيلَه. وفى الجملةِ ليس فى هذا تقديرٌ شَرْعِىٌّ، فما فعلَ الحاكمُ ممَّا رآهُ (٢١)، ما لم يَخْرُجْ إلى مُخالفةِ نَصٍّ أو معنَى نَصٍّ، فله ذلك، ولا يُفْعَلُ به شىءٌ من ذلك (٢٢) حتى يُحَقَّقَ أنَّه شاهِدُ زُورٍ، وتَعَمَّدَ ذلك، إمَّا بإقرارِه (٢٣)، أو يشْهَدُ على رجلٍ بفِعْلٍ فى الشامِ فى وقتٍ، ويُعْلَمُ أَنَّ المشْهودَ عليه فى ذلك الوقتِ فى العِراقِ، أو يشْهَدُ بقتلِ رجلٍ، وهو حَىٌّ، أو أَنَّ هذه البَهِيمةَ فى يدِ هذا مُنْذُ ثلاثةِ أعوامٍ، وسِنُّها أملُّ من ذلك، أو يشْهَدُ على رجلٍ أنَّه فعلَ شيئًا فى وقتٍ، وقد ماتَ قبلَ ذلك الوقتِ، أو لم يُولَدْ إِلَّا بعدَه، وأشْباهُ هذا ممَّا يُتَيقَّنُ به كَذِبُه، ويُعْلَمُ تَعمُّدُه لذلك. فأمَّا تَعارُضُ البَيِّنتَيْنِ، أو ظهورُ فِسْقِه، أو غلَطِه فى شَهادتِه، فلا يُؤدَّبُ به؛ لأنَّ الفِسْقَ لا يَمْنَعُ الصِّدقَ، والتَّعارضَ لا يُعْلَمُ به كذِبُ إحْدَى البَيِّنتيْنِ بعَيْنِها، والغَلَطَ قد يَعْرِضُ للصَّادقِ العَدْلِ ولا يتعمَّدُهُ، فيُعْفَى عنه، وقد قال اللَّه تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (٢٤). وقال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الْخَطَأِ، والنِّسْيَانِ، [وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ] (٢٥) ".

فصل: ومتى علِمَ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شهِدَا بالزُّورِ، تبيَّنَ أَنَّ الحكمَ كان باطلًا، ولَزِم نَقْضُه؛ لأنَّنَّا تَبيَّنَّا كَذِبَهما فيما شَهِدَا به، وبُطْلانَ ما حكمَ به؛ فإن كان المحكومُ به مالًا، رُدَّ إلى صاحبِه، وإن كان إتْلافًا، فعلى الشَّاهِدَيْنِ ضَمانُه؛ لأنَّهما سببُ إتْلافِه، إِلَّا أن


(١٨) سقط من: أ.
(١٩) فى الأصل، أ: "والذين".
(٢٠) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٢٠٩.
(٢١) فى ب، م: "يراه".
(٢٢) فى ب: "هذا".
(٢٣) فى الأصل: "بإقرار".
(٢٤) سورة الأحزاب ٥.
(٢٥) سقط من: الأصل، أ، ب. وتقدم تخريج الحديث، فى: ١/ ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>