للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَبَه يَوْمُ عَرَفَةَ فوَقَفُوا قَبْلَهُ. ولَنا، أنَّه أتَى بالعِبادَةِ قبلَ وَقْتِها، فلم يُجْزِئْه، كالصلاةِ في يَوْمِ الغَيْمِ. وأمَّا الحَجُّ فلا نُسَلِّمُه إلَّا فيما إذا أخْطَأ النَّاسُ كُلُّهُم، لِعِظَمِ المَشَقَّة عليهم، وإن وَقَعَ ذلك لِنَفَرٍ منهم لم يُجْزِئْهم. ولأنَّ ذلك لا يُؤْمَنُ مِثْلُه في القَضاءِ، بخِلافِ الصَّوْمِ. الحالُ الرَّابع، أن يُوَافِقَ بَعْضُه رمضانَ دُونَ بَعْضٍ، فما وَافَقَ رمضانَ أو بعدَه أجْزَأَهُ، وما وَافَقَ قَبْلَه لم يُجْزِئْهُ.

فصل: وإذا وَافَقَ صَوْمُه بعدَ الشَّهْرِ، اعْتُبِرَ أنْ يكونَ ما صَامَه بِعِدَّةِ أيَّامِ شَهْرِه الذي فاتَه، سَوَاءٌ وَافَقَ ما بين هِلالَيْنِ أو لم يُوَافِقْ، وسواءٌ كان الشَّهْرانِ تَامَّيْنِ أو ناقِصَيْنِ. ولا يُجْزِئُه أقَلُّ من ذلك. وقال القاضي: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ: أنَّه إذا وَافَقَ شَهْرًا بين هِلَالَيْنِ أجْزَأَهُ، سَوَاءٌ كان الشَّهْرانِ تَامَّيْنِ أو ناقِصَيْنِ، أو أحَدُهما تَامًّا والآخَرُ نَاقِصًا. وليس بِصَحِيحٍ؛ فإنَّ اللهَ تعالى قال: {فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ} (١٢). ولأنَّه فاتَه شَهْرُ رمضانَ، فوَجَبَ أنْ يكونَ صِيامُه بِعِدَّةِ ما فَاتَه، كالمَرِيضِ والمُسافِرِ. وليس في كَلَامِ الخِرَقِيِّ تَعَرُّضٌ لهذا التَّفْصِيلِ، فلا يجوزُ حَمْلُ كَلَامِه على ما يُخالِفُ الكِتابَ والصَّوابَ. فإنْ قِيلَ: أليس إذا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ يُجْزِئُه ما بَيْنَ هِلاليْنِ؟ قُلْنا: الإطْلاقُ يُحْمَلُ على ما تَناوَلَهُ الاسْمُ، والاسْمُ يَتَناوَلُ ما بين الهِلالَيْنِ، وهاهُنا يَجِبُ قَضاءُ ما تَرَكَ، فيَجِبُ أن يُرَاعَى فيه عِدَّةُ المَتْرُوكِ، كما أنَّ مَن نَذَرَ صَلَاةً أَجْزَأَهُ رَكْعَتانِ، ولو تَرَكَ صَلَاةً وَجَبَ قَضاؤُها بِعِدَّةِ رَكَعاتِها، كذلك هاهُنا الوَاجِبُ بِعِدَّةِ ما فَاتَهُ من الأيَّامِ، سَوَاءٌ كان ما صامَهُ بين هِلالَيْنِ أو مِن شَهْرَيْنِ، فإنْ دَخَلَ في صِيامِه يومُ عِيدٍ لم يُعْتَدَّ به، وإن وَافَقَ أيَّامَ التَّشْرِيقِ، فهل يُعْتَدُّ بها؟ على رِوَايَتَيْنِ، بنَاءً على صِحَّةِ صَوْمِهَا على الفَرْضِ.

فصل: وإن لم يَغْلِبْ على ظَنِّ الأسِيرِ دُخُولُ رمضانَ فصامَ، لم يُجْزِئْهُ، وإنْ


(١٢) سورة البقرة ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>