للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِصِغَرِه في ذَاتِه، أو لِقِلَّةِ قَدْرِه عندَه وتَحْقِيرِه، وقد يكون لِمَحَبَّتِه كما قال الشاعر (٩):

بِذَيَّالِكَ الوادِى أهِيمُ ولم أَقُلْ ... بِذَيَّالِكَ الوادِى وذَيَّاكَ مِن زُهْدِ

ولكنْ إذا ما حُبَّ شَىءٌ تَوَلَّعَتْ ... به أحْرُفُ التَّصْغِيرِ مِنْ شِدَّةِ الوَجْدِ

وإن قال: له عَلَىَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَدَدًا. لَزِمَتْهُ عَشرَةٌ مَعْدُودَةٌ وازِنَةٌ؛ لأنَّ إطْلَاقَ الدَّرَاهِمِ يَقْتَضِى وازِنَةً، وذِكْرُ العَدَدِ لا يُنَافِيهَا، فوَجَبَ الجَمْعُ بينهما. فإن كان في بَلَدٍ يَتَعَامَلُون بها عَدَدًا من غيرِ وَزْنٍ، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو أقَرَّ بها في بَلَدٍ أَوْزَانُهم ناقِصَةٌ، أو دَرَاهِمُهم مَغْشُوشَةٌ، على ما فُصِّلَ فيه.

فصل: وإذا أقَرَّ بِدِرْهَمٍ، ثم أقَرَّ بِدِرْهَمٍ، لَزِمَهُ دِرْهَمٌ واحِدٌ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَلْزَمُه دِرْهَمَانِ، كما لو قال: له علَىَّ دِرْهَمٌ ودِرْهَمٌ. ولا فَرْقَ بين أن يكونَ الإِقْرَارُ في وَقْتٍ واحدٍ أو في أوْقَاتٍ، أو في مَجْلِسٍ واحِدٍ أو مَجَالِسَ. ولَنا، أنَّه يجوزُ أن يكونَ قد كَرَّرَ الخَبَرَ عن الأَوَّلِ، كما كَرَّرَ (١٠) اللهُ تعالى الخَبَرَ عن إِرْسَالِه نُوحًا وهُودًا وصَالِحًا ولُوطًا وشُعَيْبًا وإبْراهِيمَ وموسى وعِيسى، ولم يكُنِ المَذْكُورُ في قِصَّةٍ غيرَ المَذْكُورِ في أُخْرَى، كذا ههُنا. فإن وَصَفَ أحَدَهما وأطْلَقَ الآخَرَ، فكذلك؛ لأنَّه يجوزُ (١١) أن يكونَ المُطْلَقُ هو المَوْصُوفَ، أَطْلَقَه في حالٍ وَوَصَفَهُ في حالٍ. وإن وَصَفَهُ بِصِفَةٍ واحِدَةٍ في المَرَّتَيْنِ، كان تَأْكِيدًا لما ذَكَرْنَا، وإن وَصَفَهُ في إحْدَى المَرَّتَيْنِ بغيرِ ما وَصَفَه في الأُخْرَى، فقال: دِرْهَمٌ من ثمَنِ مَبِيعٍ. ثم قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ من قَرْضٍ، أو دِرْهَمٌ من ثمَنِ ثَوْبٍ. ثم قال: دِرْهَمٌ من ثمَنِ عَبْدٍ. أو قال: دِرْهَمٌ أبْيَضُ، ثم قال: دِرْهَمٌ أسْوَدُ. فهما دِرْهَمَانِ؛ لأنَّهما مُتَغَايِرَانِ.

فصل: وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ ودِرْهَمٌ. أو دِرْهَمٌ فَدِرْهَم. أو دِرْهَمٌ ثم دِرْهَمٌ.


(٩) لم نهتد إلى نسبة البيتين.
(١٠) في الأصل: "ذكر".
(١١) في أ، ب، م: "لا يجوز".

<<  <  ج: ص:  >  >>