للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال لها: "لَا تَفُوتِينَا بنَفْسِكِ". ولم يُنْكِرْ خِطْبةَ أبى جَهْمٍ ومُعاويةَ لها. وذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ، أَنَّ ابنَ وَهْبٍ رَوَى بإسْنادِه عن الحارثِ بن سعدِ بن أبى ذُبَابٍ (٣)، أَنَّ عمرَ بن الخطابِ خَطَبَ امرأةً على جَرِيرِ بن عبدِ اللَّه، وعلى مَرْوانَ بن الحَكَمِ، وعلى عبدِ اللَّه بن عمرَ، فدَخَلَ على المرأةِ وهى جالِسةٌ فى بَيْتِها، فقال عمرُ: إن جَرِيرَ بنَ عبدِ اللَّه يَخْطُبُ، وهو سَيِّدُ أهْلِ المَشْرِقِ، ومروانَ يَخْطُبُ، وهو سَيِّدُ شبابِ قُرَيْشٍ، وعبدَ اللَّه بن عُمَرَ يخْطُب (٤)، وهو مَنْ قد عَلِمْتُمْ، وعمرَ بن الخَطَّابِ، فكَشَفَتِ المرأةُ السِّتْرَ، فقالت: أجادٌّ أميرُ المؤمنينَ؟ فقال: نعم. فقالت: فقد أنْكحتُ أميرَ المؤمنينَ، فأنْكحُوه (٥). فهذا عمرُ قد خَطَبَ على واحدٍ بعدَ واحدٍ، قبلَ أن يَعْلَمَ ما تقولُ المرأةُ فى الأَوَّلِ.

القسم الثالث: أن يُوجَدَ من المرأةِ ما يَدُلُّ على الرِّضَى والسُّكُونِ، تَعْرِيضًا لا تَصْرِيحًا، كقَوْلِها: ما أنْتَ إلَّا رِضًى، وما عَنْكَ رَغْبَةٌ. فهذه فى حُكْمِ القسم الأول، لا يَحِلُّ لغيرِه خِطْبَتُها. هذا ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ، وظاهرُ كلامِ أحمدَ؛ فإنَّه قال: إذا رَكَنَ بعضُهم إلى بعضٍ، فلا يَحِلُّ لأحدٍ أن يَخْطُبَ. والرُّكُونُ يُسْتَدَلُّ عليه بالتَّعْرِيضِ تارةً، وبالتَّصْريحِ أُخْرَى. وقال القاضى: ظاهرُ كلامِ أحمدَ إباحةُ خِطْبَتِها. وهو مذهبُ الشافعىِّ فى الجديدِ؛ لحديثِ فاطمةَ، حيثُ خَطَبَها النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وزَعَمُوا أَنَّ الظاهرَ من كلامِها رُكُونُها إلى أحَدِهِما. واستدلَّ القاضى بخِطْبَتِه لها قبلَ سُؤَالِها هل وجدَ منها ما دَلَّ (٦) على الرِّضَى أو لا؟ ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام: "لا يَخْطُبْ


(٣) فى أ، ب، م: "ديان".
وذكر الذهبى، فى المشتبه ٢٨٣ سعد بن أبى ذباب، وقال: له صحبة. ومن ذريته الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب المدنى. وترجمه ابن حجر، فى تهذيب التهذيب ٢/ ١٤٧. فسماه: الحارث بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن سعد بن أبى ذباب. فلعله ما هنا.
(٤) سقط من: الأصل، ب، م.
(٥) عزاه ابن كثير إلى ابن عساكر. انظر البداية والنهاية ٨/ ٢٥٧.
(٦) فى أ: "يدل".

<<  <  ج: ص:  >  >>