للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٩٢ - مسألة؛ قال: (وَإذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ في سَرِقَةٍ قيمَتُها ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، قُطِعُوا)

وبهذا قال مالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ. وقال الثَّورِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ: لا قَطْعَ عليهم إلَّا أن تَبْلُغَ حِصَّةُ كلِّ واحِدٍ منهم نِصَابًا؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ لم يسْرِقْ نِصابًا، فلم يجِبْ عليه قَطْعٌ، كما لو انْفَردَ بدونِ النِّصابِ. وهذا القولُ أَحَبُّ إِلَىَّ؛ لأنَّ القَطْعَ ههُنا لا نصَّ فيه، ولا هو في معنى المَنْصوصِ والمُجْمَعِ عليه، فلا يجبُ، والاحْتياطُ بإسْقاطِه أوْلَى من الاحْتياطِ بإيجابِه؛ لأنَّه مما يُدْرأُ بالشُّبُهَاتِ. واحتجَّ أصحابُنا بأنَّ النِّصَابَ أَحَدُ شَرْطَى القَطْعِ، فإذا اشْتَركَ الجماعَةُ فيه كانوا (١) كالواحِدِ، قياسًا على هَتْكِ الحِرْزِ، ولأنَّ سَرِقَةَ النِّصَابِ فِعْلٌ يُوجِبُ القَطْعَ، فاسْتَوى فيه الواحِدُ والجماعَةُ، كالقِصاصِ، ولم يُفَرِّقْ أصْحابُنا بينَ كَوْنِ المسْروقِ ثِقيلًا يشْترِكُ الجماعَةُ في حَمْلِه، وبينَ أن يُخْرِجَ كُلُّ واحِدٍ منه جُزْءًا، ونَصَّ أحمدُ على هذا. وقال مالِكٌ: إن انْفَرَدَ كُلُّ واحدٍ بجُزْءٍ منه، لم يُقْطَعْ واحِدٌ منهم، كما لو انْفَرَدَ كُلُّ واحِدٍ من قاطِعِى الْيَدِ بقَطْعِ جُزْءٍ منها، لم يجِبِ القِصَاصُ. ولَنا، أنَّهم اشْتَركوا في هَتْكِ الحِرْزِ، وإخْراجِ النِّصابِ، فلَزِمَهم القَطْعُ، كما لو كان ثَقِيلًا فحمَلُوه، وفارقَ القِصاصَ، فإنَّه يَعْتَمِدُ المُماثَلةَ، ولا توجدُ المُماثلةُ إلَّا أن تُوجدَ أفعالُهم في جميعِ أجْزاءِ الْيَدِ، وفي مسْألتِنا القَصْدُ الزَّجْرُ من غيرِ اعْتبارِ مُماثَلةٍ، والحاجَةُ إلى الزَّجْرِ عن إخْراجِ المالِ (٢)، وسَواءٌ دخَلا الحِرْزَ معًا، أو دخلَ أحدُهما فأخْرَجَ بعضَ النِّصابِ، ثم دَخَلَ الآخَرُ فأخْرَجَ باقِيَه، لأنَّهما اشْتَركا في هَتْكِ الحِرْزِ وإخْراجِ النِّصَابِ، فلَزِمَهما القَطْعُ، كما لو حَمَلاهُ معًا.

فصل: فإن كان أحدُ الشَّرِيكَيْنِ ممَّن لا قَطْعَ عليه، كأبى المسْروقِ منه، قُطِعَ


(١) سقط من: م.
(٢) في حاشية الأصل بعد هذا زيادة: "إجراء الحاجة إلى الزجر عن إخراجه مجموعا". وبعدها: "صح".

<<  <  ج: ص:  >  >>