للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ كان ذلك فى بَلَدِ الإسلامِ، فالظّاهِرُ إباحَتُها؛ لأنّ المُسْلِمِينَ لا يُقِرُّونَ فى بَلَدِهِم بَيْعَ ما لا يَحِلُّ بَيْعُه ظاهِرًا. والثّانى، ما أصلُه الإباحَةُ، كالماءِ يَجِدُه مُتَغَيِّرًا، لا يَعْلَمُ أبِنَجاسَةٍ تَغَيَّرَ، أم بغَيْرِها؟ فهو طاهِرٌ فى الحُكْمِ؛ لأنّ الأصلَ الطَّهارَةُ، فلا نزُولُ عنها إلّا بِيَقِينٍ أو ظاهِرٍ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ مِنهما. والأصلُ فى ذلك حَدِيثُ عبدِ اللهِ ابن زَيْدٍ، قال: شُكِىَ إلى النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إليه فى الصَّلاةِ أنَّه يَجِدُ الشىءَ، قال: "لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا". مُتَّفَقٌ عليه (٥٣). والثّالثُ، ما لا يُعْرَفُ له أصلٌ، كرَجُلٍ فى مالِه حَلالٌ وحَرامٌ، فهذا هو الشُّبهَةُ، التى الأوْلَى تَرْكُها، على ما ذَكَرْنا، وعَمَلًا بما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه وَجَدَ تَمْرَةً ساقِطَةً، فقال: "لَوْلا أنِّى أخْشَى أنَّهَا مِنَ الصَّدَقَةِ لأكَلْتُهَا" (٥٤). وهو مِن بابِ الوَرَعِ.

فصل: وكان أحمدُ، رَحِمَه اللهُ، لا يَقْبَلُ جَوائِزَ السُّلْطانِ، ويُنْكِرُ على وَلَدِه وعَمِّه قَبُولَها، ويُشَدِّدُ فى ذلك، ومِمَّن كان لا يَقْبَلُها سعيدُ بن المُسَيَّبِ، والقاسِمُ، [وبُسْرُ] (٥٥) بن سعيدٍ، ومحمدُ بن وَاسِعٍ، والثَّوْرِىُّ، وابنُ المُبارَكِ، وكان هذا مِنهم على سَبِيلِ الوَرَعِ والتَّوَقِّى، لا على أنَّها حرامٌ، فإنَّ أحمدَ قال: جوائزُ السُّلْطانِ أحَبُّ إلىَّ مِنَ الصَّدَقَةِ. وقال: ليس أحَدٌ مِنَ المسلمين إلّا وله فى هذه الدَّراهِمِ نَصِيبٌ، فكيف أقولُ: إنَّها سُحْتٌ؟ ومِمَّن كان يَقبَلُ جوائزَهم ابنُ عُمرَ، وابنُ عَبّاسٍ، وعائشةُ، وغيرُهم مِنَ الصَّحابَةِ، مِثْلُ الحسنِ، والحُسينِ، وعبدِ اللهِ بن جَعْفَرٍ. ورَخَّصَ فيه الحسنُ البَصرِىُّ، ومَكْحُولٌ، والزُّهْرِىُّ


(٥٣) تقدم تخريجه فى: ١/ ٢٦٢.
(٥٤) تقدم تخريجه فى: ٤/ ١١٦. ويضاف إلى التخريج: المسند ٣/ ١١٩، ١٣٢، ١٨٤، ١٩٣، ٢٤١، ٢٥٨، ٢٩١، ٢٩٢.
(٥٥) سقط من الأصل. وفى م: "وبشر".
وهو بُسْر بن سعيد المدنى العابد، مولى ابن الحضرمى، تابعى، وكان ثقة، كثير الحديث. مات بالمدينة سنة مائة. تهذيب التهذيب ١/ ٤٣٧، ٤٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>