للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميعُهم قبلَ موتِ المُوصِى، أو قُتِلُوا، بطلَتِ الوصيَّةُ؛ لأنَّها إنما تَلْزَمُ بالموتِ، ولا رَقِيقَ له حِينئذٍ. وإن تَلِفُوا بعدَ موتِه بغيرِ تَفْريطٍ من الورثةِ، بطَلَتِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّ التَّرِكَةَ عند الوَرثةِ غيرُ مَضْمونةٍ؛ لأنها حصلتْ في أيديهم بغيرِ فِعْلِهم. وإن قَتَلَهم قاتلٌ، فلِلْمُوصَى له قيمةُ أحدِهم، مَبْنِيًّا على الرِّوايتَيْن في مَن يسْتَحِقُّه منهم في الحياةِ. ولو قالَ: أوْصَيْتُ لك بِعبدٍ من عَبيدِى. ولا عَبيدَ له، لم تَصِحَّ الوصيَّةُ؛ لأنَّه أوصَى له بلا شيءٍ، فهو كما لو قالَ: أوْصَيْتُ لك بما في كِيسِى. ولا شَىْءَ فيه، أو بِدارِى. ولا دارَ له، فإن اشْتَرى قبلَ موتِه عَبيدًا، احْتمَلَ أن لا تَصِحَّ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّها وقَعَتْ باطلةً، فلم تصِحَّ. كما لو قالَ: أوصَيْتُ لك بما في كِيسِى. ولا شىءَ فيه، ثم جعلَ في كِيسِه شيئًا. ولأنَّ الوَصِيَّةَ تَقْتَضِى عبدًا من المَوْجُودِينَ له حالَ الوَصِيَّةِ. ويَحْتَمِلُ أن تصِحَّ، كما لو وصَّى له بأَلْفٍ لا يَمْلِكُهُ، ثم مَلَكَه، أو وَصَّى له بثُلُثِ عَبِيدِه، ثم ملكَ عَبِيدًا آخَرِين. وقد رَوَى ابنُ منصورٍ، عن أحمدَ، في رجلٍ قالَ في مَرضِه: أعْطُوا فُلانًا من كِيسِى مائةَ دِرهمٍ. فلم يُوجَدْ في كِيسِه شيءٌ. يُعْطى مائةَ دِرهمٍ. فلم تَبْطُلِ الوَصِيَّةُ؛ لأنَّه قَصَدَ إعْطاءَه مائةَ درهمٍ، وظَنَّها في الكِيسِ، فإذا لم تَكُنْ في الكِيسِ، أُعْطِىَ من غيرِه. فكذلك يُخَرَّجُ في الوَصِيَّةِ بعبدٍ من عَبِيدِه، إذا لم يكُنْ له عَبيدٌ، أن يُشْتَرى له مِن تَرِكَتِه عبدٌ، ويُعْطَى إيَّاه.

فصل: وإن وَصَّى الرَّجلُ بعَبدٍ، صحَّتِ الوَصيَّةُ، ويُشْترَى له عبدٌ أىُّ عبدٍ كانَ. وإن كان له عَبِيدٌ، أعطاه الورَثةُ ما شاءُوا، ولا قُرعةَ ههُنا؛ لأنَّه لم يُضِفِ (٢) الرَّقيقَ إلى نفسِه، ولا جَعلَه واحدًا من عددٍ مَحْصورٍ، فلم يَسْتَحِقَّ المُوصَى له أكثرَ من أقلِّ مَن يُسَمَّى عَبدًا، كما لو أقرَّ له بعبدٍ. قال القاضي: ولهم أن يُعطُوه ما شاءوا مِن ذكرٍ أو أُنثَى. والصَّحيحُ عندى أنَّه لا يَسْتَحِقُّ إلَّا ذكَرًا، فإنَّ اللهَ تعالى فرَّقَ بين العَبِيدِ والإِماءِ، بقولِه تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ


(٢) في النسخ: "يصف".

<<  <  ج: ص:  >  >>