للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنْكَرَ بعضُهم أن يكونَ لِمُوَرِّثِهم، ولم يُنْكِرْهُ الباقُونَ، فحُكْمُ مَن أنْكَرَ قى نَصِيبِه حُكْم المالِكِ الذى لم يَعْتَرِفْ به، وحُكْم المُعْتَرِفِينَ حُكْمُ المالِكِ المُعْتَرِفِ. القسم الثالث، أن يَجِدَهُ في مِلْكِ آدَمِىٍّ مُسْلِمٍ مَعْصُومٍ أو ذِمِّىٍّ، فعن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه لِصاحب الدَّارِ؛ فإنَّه قال، في مَن اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ في دَارِهِ، فأصابَ في الدَّارِ كَنْزًا عَادِيًّا (١٥): فهو لِصاحِبِ الدَّارِ. وهذا قولُ أبِى حنيفةَ ومحمدِ بن الحسنِ. ونُقِلَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه لِوَاجِدِه؛ لأنَّه قال في مَسْأَلَةِ من اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ له في دَارِه، فأصابَ في الدَّارِ كَنْزًا: فهو لِلْأَجِيرِ. نقلَ ذلك عنه محمدُ بن يحيى الكَحَّالُ. قال القاضى. هو الصَّحِيحُ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ الرِّكَازَ لِوَاجِدِه. وهو قَوْلُ الحسنِ بن صالِحِ، وأبى ثَوْرٍ. واسْتَحْسَنَهُ أبو يوسفَ. وذلك لأنَّ الكَنْزَ لا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ، على ما ذَكَرْنا في القِسْمِ الذى قبلَه، فيكونُ لِمَنْ وَجَدَهُ، لكنْ إن ادَّعَاهُ المالِكُ. فالقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لأنَّ يَدَهُ عليه بِكَوْنِها على مَحِلِّه. وإن لم يَدَّعِه، فهو لِوَاجِدِهِ. وقال الشَّافِعِيُّ: هو لِمَالِكِ الدَّارِ إن اعْتَرَفَ به، وإن لم يَعْتَرِفْ به، فهو لأوَّلِ مَالِكٍ، لأنَّه في يَدِه. ويُخَرَّج لنا مثلُ ذلك، لما ذَكَرْناه من الرِّوَايَةِ في القِسْمِ الذى قَبْلَه. وإن اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ له طَلَبًا لِكَنْزٍ يَجِدُه، فوَجَدَهُ، فلا شىءَ لِلأجِيرِ، ويَكونُ الوَاجِدُ له هو المُسْتَأْجِرُ؛ لأنَّه اسْتَأْجَرَه لذلك، فأشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَه لِيَحْتَشَّ (١٦) له أو يَصْطادَ، فإنَّ الحاصِلَ من ذلك لِلْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الأجِيرِ. وإن اسْتَأْجَرَهُ لأمْرٍ غير طَلَب الرِّكَازِ، فالواجِدُ له هو الأجِيرُ. وهكذا قال الأوْزَاعِيُّ: إذا اسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا لِيَحْفِرَ لى في دَارِى، فوَجَدَ كَنْزًا، فهو له. وإن قلتُ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَحْفِرَ لى هاهُنَا، رَجَاءَ أن أجِدَ كَنْزًا، فسَمَّيْتُ له، فله أجْرُه، ولِى ما يُوجَدُ.

فصل: وإن اكْتَرَى دَارًا، فوَجَدَ فيها رِكَازًا، فهو لِوَاجِدِه، في أحَدِ


(١٥) عاديا: أى قديما، من عهد عاد ونحوه.
(١٦) في الأصل: "ليحبس".

<<  <  ج: ص:  >  >>