للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاجَةٍ، فلم يَجُزْ كالإِمامِ، وفارَق نَقْلَه إلى الإِمامةِ؛ لأنَّ الحاجةَ دَاعِيَةٌ إليه، فعَلَى هذا يَقْطَعُ صَلاتَه، ويَسْتَأْنِفُ الصلاةَ معهم. قال أحمدُ، في رَجُلٍ دَخَلَ المسجدَ فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، أو ثَلَاثًا، يَنْوِى الظُّهْرَ، ثم جاءَ المُؤَذِّنُ فأقامَ الصلاةَ: سَلَّمَ مِن هذه، وتَصِيرُ له تَطَوُّعًا، ويَدْخُلُ معهم. قِيلَ له: فإن دَخَلَ في الصلاةِ مع القَوْمِ، واحْتَسَب به. قال: لا يُجْزِئُه حتَّى يَنْوِىَ بها الصلاةَ مع الإِمامِ في ابْتِدَاءِ الفَرْضِ.

فصل: وإنْ أحْرَمَ مَأْمُوما، ثم نَوَى مُفَارَقَةَ الإِمامِ، وإِتْمَامَها مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ، جَازَ؛ لما رَوَى جابِرٌ، قال: كان مُعَاذٌ يُصَلِّى مع رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاةَ العِشَاءِ، ثم يَرْجِعُ إلى قَوْمِه فيَؤُمُّهُم، فأَخَّرَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاةَ العِشَاءِ، فصَلَّى مَعَهُ، ثم رَجَعَ إلى قَوْمِه فقَرَأ سُورَةَ البَقَرَةِ، فتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَقِيلَ له: نَافَقْتَ يا فُلَانُ. قال: ما نَافَقْتُ، ولكن لآتِيَنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأُخْبِرُه، فأتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذَكَرَ له ذلك، فقال: "أَفْتَّانٌ أنتَ يا مُعَاذُ؟ أَفْتَّانٌ أَنتَ يا مُعَاذُ؟ " مَرَّتَيْنِ "اقْرَأْ سُورَةَ كذا وسُورَةَ كذا"، قال: "وسُورَةَ ذَاتِ البُرُوجِ، واللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، والسَّمَاءِ والطَّارِقِ، وهل أتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ" مُتَّفَقٌ عليه (٤٩). ولم يَأْمُرِ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الرَّجُلَ بالإِعادةِ، ولا أَنْكَرَ عليه فِعْلَه، والأَعْذَارُ التي يَخْرُجُ لأجْلِها، مثل المَشَقَّةِ بِتَطْوِيلِ الإِمَامِ، أو المَرَضِ، أو خَشْيَةِ غَلَبَة النُّعَاسِ، أو شَىْءٍ يُفْسِدُ صلاتَه، أو خَوْفِ فَوَاتِ مالٍ أو تَلَفِه، أو فَوْتِ رُفْقَتِه، أو من يَخْرُجُ من الصَّفِّ لا يَجِدُ من يَقِفُ معه، وأشْبَاه هذا. وإن فَعَلَ ذلك لِغَيْرِ عُذْرٍ، ففيه رِوَايَتانِ: إحْدَاهما، تَفْسُدُ صَلَاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِه لِغَيْرِ عُذْرٍ، أشْبَهَ ما لو تَرَكَها مِن غير نِيَّةِ المُفَارَقَةِ. والثانية: تَصِحُّ؛ لأنَّه لو نَوَى المُنْفَرِدُ كَوْنَه مَأْمُومًا لَصَحَّ في رِوَايَةٍ، فنيَّةُ الانْفِرَادِ أوْلَى، فإن المأْمُومَ قد يصِيرُ مُنْفَرِدًا بغيرِ نِيَّةٍ، وهو المَسْبُوقُ إذا سَلَّمَ إمَامُه، وغيرُه لا يَصيرُ مَأْمُومًا بغيرِ نِيَّةٍ بحالٍ.


(٤٩) سبق تخريجه في ٢/ ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>