للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلًا احْتِياطًا، لتَزْدَادَ غَلَبَةُ ظَنِّه، إلَّا أنْ يَخْشَى خروجَ الوقتِ، أو تكونَ صلاةُ العَصْرِ في وقتِ الغَيْمِ، فإنَّه يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بها؛ لِمَا رَوَى بُرَيْدةُ، قال: كُنَّا مع رسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي غَزَاةٍ (٨)، فقال: "بَكِّرُوا بِصَلَاةِ العَصْرِ في الغَيْمِ، فإنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". رواهُ البُخَارِىُّ، وابن ماجَه (٩). ومعناهُ - واللَّه أعْلَمُ - التَّبْكِيرُ بها إذا [دَخَلَ وَقْتُ] (١٠) فعْلِها، لِيقِينٍ، أو غَلَبَةِ ظَنٍّ، وذلك لأنَّ وقتَها المُخْتَارَ في زمنِ الشِّتاءِ يَضِيقُ، فَيُخْشَى خُرُوجُه.

فصل: ومَنْ أخْبَرَهُ ثِقَةٌ عن عِلْمٍ عَمِلَ به؛ لأنَّه خَبَرٌ دِينِيٌّ، فيُقْبلُ (١١) فيه قولُ الوَاحِدِ كالرِّوَايةِ، وإن أَخْبرَهُ عن اجْتِهادِهِ لم يُقَلِّدْهُ، واجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ، حتَّى يَغْلِبَ على ظَنِّه؛ لأنَّه يقْدِرُ على الصَّلَاةِ بِاجْتِهادِ نفسِه، فلم يُصَلِّ بِاجْتِهَادِ غيرِهِ، كحَالَةِ اشْتِباهِ القِبْلَةِ. والبصِيرُ والأعمى والمَطْمُورُ القادِرُ على التوصُّلِ إلى الاستدلَالِ سواءٌ؛ لاستوائِهِم في إمكانِ التقدِيرِ بمُرُورِ الزمانِ، كما بيَّنَّا، فمتى صَلَّى في هذه المواضِع، فَبانَ أَنَّه وَافَقَ الوَقْتَ أو بعدَهُ أجْزَأَهُ؛ لأنَّه أدَّى مَا فُرِضَ عليه، وخُوطِبَ بأدائِهِ. وإن بانَ أنَّه صَلَّى قبلَ الوَقْتِ لمْ يُجْزِهِ؛ لأنَّ المُخَاطبةَ بِالصلَاةِ وسببَ الوجوبِ وُجِدَ بعدَ فِعْلِهِ، فلم يَسْقُطْ حُكْمُهُ بما وُجِدَ قَبْلَه. وإن صَلَّى من غيرِ دَلِيلٍ مع الشَّكِّ، لم تُجْزِهِ صلاتُهُ، سواءٌ أصابَ أو أخطأَ؛ لأنه صلَّى مع الشكِّ في شَرْطِ الصَّلَاةِ من غيرِ دَلِيلٍ، فلم يَصِحَّ، كما لو اشْتَبَهَتْ عليهِ القِبْلَةُ فصلَّى من غير اجْتِهَادٍ.

فصل: وإذا سَمِعَ الأذانَ من ثِقَةٍ عالِمٍ بالوقتِ، فله تَقْلِيدُه؛ لأن الظَّاهِرَ أنَّه لا يُؤَذِّنُ إلَّا بعدَ دُخُولِ الوقتِ، فَجَرَى مَجْرَى خَبَرهِ، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ". رواهُ أبو داوُد (١٢). ولولا أنَّه يُقَلَّدُ ويُرْجَعُ إليه ما كان


(٨) في الأصل: "غزوة". وهما بمعنى.
(٩) تقدم تخريجه، في صفحة ٢٣.
(١٠) في الأصل: "حل".
(١١) في م: "فقبل".
(١٢) في: باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٢٣. كما أخرجه =

<<  <  ج: ص:  >  >>