للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه أحمدُ، فقالَ: لا يَمِينَ فى نِكاحٍ ولا طَلَاقٍ. وهو قَوْلُ أبى حَنِيفَةَ؛ لأَنَّ الرَّجْعَةَ لا يَصِحُّ بَذْلُهَا، فلا يُسْتَحْلَفُ فيها، كالحُدُودِ. والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِقَوْلِ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الْيَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (٢٤). وَلِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِىٍّ يُمْكِنُ صِدْقُ مُدَّعِيهِ، فَيجِبُ اليَمِينُ فيه، كالأمْوالِ. فإِنْ نَكَلَتْ عنِ الْيَمِينِ، فقال القاضى: لا يُقْضَى بالنُّكُولِ؛ لأنَّهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ بَذْلُه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُسْتَحْلَفَ الزَّوْجُ، وله رَجْعَتُهَا، بِنَاءً على القَوْلِ بِرَدِّ اليَمِينِ على المُدَّعِى؛ وذلك لأنَّهُ لَمَّا وُجِدَ النُّكُوُل منها، ظَهَرَ صِدْقُ الزَّوْجِ، وَقَوِىَ جَانِبُهُ، والْيَمِينُ تُشْرَعُ فى حَقِّ مَنْ قَوِىَ جَانِبُهُ، ولذلك شُرِعَتْ فى حَقِّ المُدَّعَى عليه لِقُوَّةِ جَانِبِه بِالْيَدِ فى العَيْنِ، وبالأَصْلِ فى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فى الدَّيْنِ. هذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ.

فصل: وإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ فى عِدَّتِها أَنَّهُ كان رَاجَعَهَا أَمْسِ، أو مُنْذُ شَهْرٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لأنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الرَّجْعَةَ، مَلَكَ الإِقْرَارَ بها، كالطَّلاقِ. وبهذا قال (٢٥) الشَّافِعِىُّ، وأَصْحَابُ الرَّأْىِ، وغيرُهم. وإِنْ قال بعدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِها: كُنْتُ رَاجَعْتُكِ فى عِدَّتِكِ. فأنْكَرَتْهُ، [فالقَوْلُ قَوْلُها بإِجْماعِهِم] (٢٦)؛ لأنَّهُ ادَّعاها فى زَمَنٍ لا يَمْلِكُهُا، والأصْلُ عَدَمُها وحُصُولُ البَيْنُونَةِ. فإنْ كان اخْتِلافُهُما فى زَمَنٍ يُمْكِنُ فيه انْقِضَاءُ عِدَّتِها، وبَقَاؤُها، فبَدَأَتْ فقالتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِى. فقال: قد كُنْتُ رَاجَعْتُكِ. فأنْكَرَتْهُ، لم يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لأنَّ خَبَرَها بِانْقِضاءِ عِدَّتِهَا مَقْبُولٌ؛ لإِمْكانِه، فصارَتْ دَعْوَاهُ لِلرَّجْعَةِ بعدَ الحُكْمِ بانْقِضَاءِ عِدَّتِها، فلم تُقْبَلْ. فإنْ سَبَقَهَا بِالدَّعْوَى، فقال: قد كُنْتُ رَاجَعْتُكِ أَمْسِ. فقالتْ: قد انْقَضَتْ عِدَّتِى قبلَ دَعْوَاكَ. فالقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لأنَّ دَعْوَاهُ لِلرَّجْعَةِ قبلَ الحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (٢٧) فى زَمَنٍ الظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِ فيه، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها بعدَ ذلك فى إبْطالِهِ. ولو سَبَقَ، فقال: قد رَاجَعْتُكِ. فقالتْ: قد انْقَضَتْ عِدَّتِى قبلَ رَجْعَتِكَ.


(٢٤) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٥٢٥.
(٢٥) فى ب زيادة: "أصحاب".
(٢٦) فى أ: "فإجماعهم على أن القول قولها".
(٢٧) فى أ: "العدة".

<<  <  ج: ص:  >  >>