للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين أهْلِهِ، فلا يَخْفَى عليه تَحْرِيمُ القَتْلِ، ولا يُعْذَرُ في فِعْلِه، ومتى كان العبدُ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ القَتْلِ، فالقِصاصُ عليه، ويُؤَدَّبُ سَيِّدُه؛ لأمْرِه بما أفْضَى إلى القَتْلِ، بما يَرَاه الإِمامُ من الحَبْسِ والتَّعْزِيرِ. وإن كان غيرَ عالمٍ بخَطَرِه، فالقِصاصُ على سَيِّدِه، ويُؤَدَّبُ العَبْدُ. قال أحمدُ: يُضْرَبُ ويُؤَدَّبُ. ونَقَلَ عنه أبو طالبٍ، قال: يُقْتَلُ المَوْلَى (٢)، ويُحْبَسُ العَبْدُ حتى يَمُوتَ؛ لأنَّ العَبْدَ سَوْطُ المَوْلَى وسَيْفُه. كذا قال علىٌّ، وأبو هُرَيرةَ. وقال علىٌّ، رَضى اللهُ عنه: يُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ. وممَّن قال بهذه الجملةِ الشافعيُّ. ومِمَّنْ قال: إنَّ السَّيِّدَ يُقْتَلُ؛ عَلِىٌّ، وأبو هُرَيْرةَ. وقال قَتادةُ: يُقْتَلانِ جميعًا. وقال سليمانُ بن مُوسَى: لا يُقْتَلُ الآمِرُ، ولكنْ يَديهِ، ويُعاقَبُ ويُحْبَسُ؛ لأنَّه لم يُباشِرِ القَتْلَ، ولا ألْجأَ إليه، فلم يَجِبْ عليه قِصاصٌ، كما لو عَلِمَ العَبْدُ خَطَرَ القَتْلِ. ولَنا، أن العَبْدَ إذا كان غيرَ عالمٍ بخَطَرِ القَتْلِ، فهو مُعْتَقِدٌ إباحَتَه، وذلك شُبْهةٌ تَمْنَعُ القِصاصَ، كما لو اعْتَقَده صَيْدًا فرَماه، فبان إنْسانًا، ولأنَّ حِكْمةَ القِصاصِ الرَّدْعُ والزَّجْرُ، ولا يَحْصُلُ ذلك في مُعْتَقِدِ الإِبَاحةِ، وإذا لم يَجِبْ عليه، وَجَبَ على السَّيِّدِ، لأنَّه آلةٌ له، لا يُمْكِنُ إيجابُ القِصاصِ عليه، فوَجَبَ على المُتَسَبِّبِ به، كما لو أنْهَشَه حَيّةً أو كَلْبًا، أو ألْقاه في زُبْيَةِ أسَدٍ فأكَلَه. ويُفارِقُ هذا ما إذا عَلِمَ خَطَرَ القَتْلِ، فإنَّ القِصاصَ على العَبْدِ؛ لإِمْكانِ إيجابِه عليه، وهو مباشِرٌ له، فانْقَطَعَ حُكْمُ الآمِرِ، كالدافعِ مع الحافرِ، ويكونُ على السَّيِّدِ الأدَبُ؛ لِتَعَدِّيه بالتَّسَبُّبِ إلى القَتْلِ.

فصل: ولو أمَرَ صَبِيًّا لا يُمَيِّزُ، أو مَجْنُونًا، أو أعْجَمِيًّا لا يعلمُ خَطَرَ القَتْلِ، فقَتَلَ، فالحُكْمُ فيه [كالحكمِ في العَبْدِ] (٣)، يُقْتَلُ الآمِرُ دُوَنَ المُباشِرِ. ولو أمَرَه بزِنًى، أو سَرِقةٍ، لم يَجِبِ الحَدُّ على الآمِرِ؛ لأنَّ الحَدَّ لا يَجِبُ إلَّا على المُباشِرِ، والقِصاصُ يجبُ بالتَّسَبُّبِ، ولذلك وجَبَ على المُكْرَهِ والشُّهُودِ في القِصاصِ.

فصل: ولو أمَرَ السّلْطانُ رَجُلًا، فقَتَلَ آخَرَ، فإن كان القاتِلُ يعلمُ أنَّه


(٢) في ب، م: "الولى".
(٣) بياض في: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>