للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يَسْتَحقُّ قَتْلَه، فالقِصاصُ عليه دُونَ الآمِرِ؛ لأنَّه غيرُ مَعْذُورٍ في فِعْلِه، فإنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ" (٤). وعنه عليه السلامُ أنَّه قال: "مَنْ أمَرَكُمْ مِنَ الْوُلاةِ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، فَلَا تُطِيعُوهُ" (٥). فلَزِمَه القِصاصُ، كما لو أمَرَه غيرُ السلطانِ. وإن لم يَعْلَمْ ذلك، فالقِصاصُ على الآمِرِ دُونَ المَأْمورِ؛ لأنَّ المأمورَ مَعْذُورٌ، لوُجُوبِ طاعةِ الإِمامِ فيما ليس بمَعْصِيَةٍ، والظَّاهِرُ أنَّه لا يَأْمُرُ إلَّا بالحَقِّ. وإن أمَرَه غيرُ السلطانِ من الرَّعِيَّةِ بالقَتْلِ، فقَتَلَ، فالْقَوَدُ على المأمورِ بكلِّ حالٍ، عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه طاعَتُه، وليس له القَتْلُ بحالٍ، بخلافِ السلطانِ، فإنَّ إليه القَتْلَ للرِّدَّة، والزِّنَى، وقَطْعِ الطريقِ إذا قَتَلَ القاطعُ، ويَسْتَوْفِى القِصاصَ للناسِ، وهذا ليس إليه شيءٌ من ذلك. وإن أكْرَهَه السُّلطانُ على قَتْلِ أحدٍ، أو جَلْدِه بغير حَقٍّ، فماتَ، فالقِصاصُ عليهما. وإن وجَبَتِ الدِّيَةُ، كانت عليهما. فإن كان الإِمامُ يَعْتَقِدُ جَوازَ القَتْلِ دُونَ المأْمورِ، كمُسْلِمٍ قتَل ذِمِّيًّا، أو حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا، فقَتَلَه، فقال القاضي: الضَّمانُ عليه دُونَ الإِمامِ؛ لأنَّ الإِمامَ أمَرَه بما أدَّى اجْتِهادُه إليه، والمأمورُ لا يَعْتَقِدُ جوازَه، فلم يكُنْ له أن يَقْبَلَ أمْرَه، فإذا قَتَلَه، لَزِمَه الضَّمانُ؛ لأنَّه قَتَلَ مَنْ لا يَحِلُّ له قَتْلُه. ويَنْبَغِى أن يُفَرَّقَ بين الْعَامِّىِّ والمُجْتَهِدِ؛ فإن كان مُجْتَهِدًا، فالحكمُ فيه على ما ذكَره القاضِى، وإن كان مُقَلِّدًا، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ له تَقْلِيدَ الإِمامِ فيما رَآه. وإن كان الإِمامُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَه، والقاتلُ يعْتقِدُ حِلَّه، فالضَّمانُ على الآمرِ، كما لو أمَرَ السَّيِّدُ الذي لا يَعْتَقِدُ تَحْريمَ القَتْلِ به. واللَّه أعلم.


(٤) تقدم تخريجه، في: ٥/ ٤٣٣.
(٥) أخرجه ابن ماجه، في: باب لا طاعة في معصية اللَّه، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٥٦. والإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>