للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُتصَدَّقُ به. وأَرَى أنَّه قد احْتَجَّ بِكُسْوَةِ البَيْتِ إذا تَخَرَّقَتْ تُصُدِّقَ بها. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: قد كان شَيْبَةُ يَتَصَدَّقُ بِخُلْقَانِ الكَعْبةِ. ورَوَى الخَلَّالُ، بإسْنادِه عن عَلْقَمَةَ، عن أُمِّه، أنَّ شَيْبَةَ بن عُثْمانَ الْحَجَبِىَّ، جاءَ إلى عائِشَةَ رَضِىَ اللَّه عنها، فقال: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، إنَّ ثِيَابَ الكَعْبةِ تَكْثُرُ عليها، فنَنْزِعُها، فَنَحْفِرُ لها آبارًا فَنَدْفِنُها فيها، حتى لا تَلْبَسَها الحائِضُ والجُنُبُ. قالت عائِشَةُ: بِئْسَ ما صَنَعْتَ، ولم تُصِبْ، إنَّ ثِيَابَ الكَعْبةِ إذا نُزِعَتْ لم يَضِرْها مَنْ لَبِسَها من حائِضٍ أو جُنُبٍ، ولكنْ لو بِعْتَها، وجَعَلْتَ ثَمَنها في سَبِيلِ اللهِ والمَسَاكِينِ. فكان شَيْبةُ يَبْعَثُ بها إلى اليَمَنِ، فتُبَاعُ، فيَضَعُ ثَمَنَها حيث أمَرَتْهُ عائِشَةُ. وهذه قِصَّةٌ مثلُها يَنْتَشِرُ، ولم يُنْكَرْ، فيكون إجْماعًا (١٨)، ولأنَّه مالُ اللهِ تعالى، لم يَبْقَ له مَصْرِفٌ، فصُرِفَ إلى المَسَاكِينِ، كالوَقْفِ المُنْقَطِعِ.

فصل: إذا جَنَى الوَقْفُ جِنَايَةً تُوجِبُ القِصَاصَ، وَجَبَ، سواءٌ كانت الجِنَايَةُ على المَوْقُوفِ عليه أو على غيرِه. فإن قُتِلَ بَطَلَ الوَقْفُ فيه، وإن قُطِعَ كان باقِيه وَقْفًا، كما لو تَلِفَ بِفِعْلِ اللَّه تعالى. وإن كانت الجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، لم يُمْكِنْ تَعَلُّقُها بِرَقَبَتِه؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ بَيْعُها، ويَجِبُ أرْشُها على المَوْقُوفِ عليه؛ لأنَّه مِلْكُه تَعَلَّقَ أرْشُه بِرَقَبَتِه، فكان على مَالِكِه، كأُمِّ الوَلَدِ. ولا يَلْزَمُه أكْثَرُ من قِيمَتِه كأُمِّ الوَلَدِ. وإن قُلْنا: الوَقْفُ لا يُمْلَكُ. فالأَرْشُ في كَسْبِه؛ لأنَّه تَعَذَّرَ تَعَلُّقُه بِرَقَبَتِه لِكَوْنِها لا تُبَاعُ، وبالمَوْقُوفِ عليه؛ لأنَّه لا يَمْلِكُه، فكان في كَسْبِه، كالحُرِّ يكونُ في مالِه. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ في بَيْتِ المالِ، كأرْشِ جِنَايةِ الحُرِّ المُعْسِرِ. وهذا احتمالٌ ضَعِيفٌ جدًّا؛ فإنَّ الجِنَايةَ إنَّما تكونُ في بَيْتِ المالِ، في صُورَةٍ تَحْمِلُها العاقِلَةُ عندَ عدَمِها، وجِنَايةُ العَبْدِ لا تَحْمِلُها العاقِلَةُ. وإن كان الوَقْفُ على المَساكِينِ، فيَنْبَغِى أن يكونَ الأرْشُ في كَسْبه؛ لأنَّه ليس له مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إيجابُ الأرْشِ عليه، ولا يُمْكِنُ تَعَلُّقُه بِرَقَبَتِه، لِتَعَذُّرِ بَيْعِها، فتَعَيَّنَ في كَسْبِه. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ في بَيْتِ المالِ.


(١٨) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>