للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧٩٧ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا حَلَفَ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ، وإِنْ شَاءَ تَرَك، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، إِذَا لَم يَكُنْ بَيْنَ الِاسْتِثْناءِ والْيَمِينِ كَلامٌ)

وجملةُ ذلك أَنَّ الحالِفَ إذا قال: إنْ شاءَ اللَّهُ. مع يَمِينِه، فهذا يُسَمَّى اسْتِثْناءً، فإنَّ ابنَ عمرَ رَوَى عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَدِ اسْتَثْنَى". روَاه أبو داود (١). وأَجْمَعَ العلماءُ على تَسْمِيَتِه اسْتِثْناءً، وأنَّه متى اسْتَثْنَى فى يَمِينِه لم يَحْنَثْ فيها، والأصلُ فى ذلك قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. لَمْ يَحْنَثْ". روَاه التِّرْمِذِىُّ (٢). ورَوَى أبو داود: "مَنْ حَلَفَ، فَاسْتَثْنَى، فإنْ شَاءَ رَجَعَ (٣)، وإِنْ شاءَ تَرَكَ (٤) ". ولأنَّه متى قال: لأَفْعَلَنَّ إنْ شاءَ اللَّهُ. فقد عَلِمْنا أنَّه متى شاءَ اللَّهُ فَعَلَ، ومتى لم يَفْعَلْ لم يَشَأ اللَّهُ ذلك، فإنَّ ما شاءَ اللَّه كان، وما لم يَشَأ لم يَكُنْ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُشْتَرَطُ أَنْ يكونَ الاسْتِثْناءُ مُتَّصِلًا باليَمِينِ، بحيثُ لا يَفْصِل بينهما كلامٌ أَجنَبِىٌّ، ولا يسْكُتُ بينَهما سُكوتًا يُمْكِنُه الكلامُ فيه، فأمَّا السُّكوتُ لِانْقِطاعِ نَفَسِه أو صَوْتِه، أو عِىٍّ، أو عارِضٍ، من عَطْسَةٍ، أو شىءٍ غيرِها، فلا يمْنَعُ صِحَّةَ الاسْتِثْناءِ، وثُبوتَ حُكْمِه. وبهذا قال مالِكٌ، والشافعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَنْ حَلَفَ، فَاسْتَثْنَى". وهذا يَقْتَضِى كَوْنَه عَقِيبَه، ولأنَّ الاسْتِثْناءَ من تَمامِ الكلامِ، فاعْتُبِرَ اتِّصالُه به، كالشَّرْطِ وجَوَابِه (٥)، وخَبَرِ المُبْتَدأ، والاسْتِثْناءِ بإلَّا، ولأنَّ الحالِفَ إذا سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ يَمِينِه، وانْعَقَدَت مُوجِبَةً لحُكْمِها، وبعدَ ثُبُوتِه لا يُمْكِنُ دَفْعُه ولا تَغْيِيرُه. قال أحمدُ: حَدِيثُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعَبْدِ الرحمن بنِ سَمُرَةَ: "إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ


(١) فى: الاستثناء فى اليمين، من كتاب الأيمان والنذور. سنن أبى داود ٢/ ٢٠١.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى الاستثناء فى اليمين، من أبواب النذور. عارضة الأحوذى ٧/ ١٢، ١٣. والنسائى، فى: باب الاستثناء، من كتاب الأيمان والنذور. المجتبى ٧/ ٢٣. والدارمى، فى: باب فى الاستثناء فى اليمين، من كتاب النذور. سنن الدارمى ٢/ ١٨٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٠.
(٢) تقدم تخريجه، فى: ١٠/ ٤٧٢.
(٣) فى ب: "فعل".
(٤) تقدم تخريجه، فى: ١١/ ٧١.
(٥) فى م: "وجوبه".

<<  <  ج: ص:  >  >>