للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلامِ في صُلْبِ الصَّلاةِ عَالِمًا بها على هذه الحالِ مُمْتَنِعٌ؛ لأنَّ هذه حالُ نِسْيَانٍ، غيرُ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ من الكلام فيها، وهى أيضًا حالٌ يَتَطرَّقُ الجَهْلُ إلى صاحِبها بِتَحْرِيمِ الكلامِ فيها، فلا يَصِحُّ قِياسُ ما يُفَارِقُها في هذين الأمْرَيْنِ عليها، ولا نَصَّ فيها، وإذا عُدِمَ النَّصُّ والقياس والإِجْمَاعُ، امْتَنَعَ ثُبوتُ الحُكْمِ؛ لأنَّ إثْبَاتَه يكونُ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ بغيرِ دَلِيلٍ، ولا سَبِيلٍ إليه.

فصل: والكلامُ المُبْطِلُ ما انْتَظَمَ حَرْفَيْنِ. هذا قولُ أصْحابِنا وأصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ بالحَرْفَيْنِ تكونُ كَلِمَةٌ كقوْلِه: أبٌ وأخٌ ودَمٌ. وكذلك الأفْعالُ والحُروفُ، ولا تَنْتَظِمُ كَلِمَةٌ من أقلَّ من حَرْفَيْنِ. ولو قال: لا. أفْسَدَ (٦) صَلاتَه؛ لأنَّها حَرْفانِ لامٌ وألِفٌ. وإن ضَحِك فبانَ حَرْفَانِ، فَسَدَتْ صَلاتُه. وكذلك وإن قَهْقَهَ ولم يَبِنْ (٧) حَرْفَانِ. وبهذا قال جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ [، وعَطَاءٌ، ومُجَاهِدٌ والحَسَنُ، وقَتَادَةُ، والنَّخَعِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى، ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. قال ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعُوا على أن الضَّحِكَ يُفْسِدُ الصَّلاةَ، وأكْثَرُ أَهْلِ العِلْمِ على أنَّ التَّبَسُّمَ لا يُفْسِدُها، وقد رَوَى جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ] (٨)، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "القَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الصَّلاةَ ولا تَنْقُضُ الوُضُوءَ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ، في "سُنَنِهِ" (٩).

فصل: فأمَّا النَّفْخُ في الصَّلاةِ، فإن انْتَظَمَ حَرفَيْنِ أفْسَدَ صَلاتَه؛ لأنَّه كلامٌ، وإلَّا فلا يُفْسِدُها. وقد قال أحمدُ: النَّفْخُ عِنْدِى بِمَنْزِلَةِ الكلامِ. وقال أيضًا: قد فسَدَتْ صلاتُه؛ لِحَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: "مَنْ نَفَخَ في الصَّلاةِ فقد تكَلَّمَ" (١٠). ورُوِى عن أبِى هُرَيْرَةَ أيضًا، وسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ. وقال ابْنُ المُنْذِرِ: لا يَثْبُتُ عن ابْنِ عَبَّاسٍ،


(٦) في م: "فسدت".
(٧) في أ، م: "يكن".
(٨) سقط من: أ.
(٩) في: باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ١٧٣.
(١٠) أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، في: باب النفخ في الصلاة، من كتاب الطهارة. مصنف عبد الرزاق ٢/ ١٨٩، ومصنف ابن أبي شيبة ٢/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>