للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِبْراءً (١١)، ولأنَّ الاسْتِبْراءَ (١٢) لصيانةِ مائِه وحِفْظِه عن الاخْتلاطِ بماءِ غيرِه، ولا يُصانُ ماؤُه عن مائِه، ولهذا كان له أن يتزَوَّجَ مُخْتَلِعَتَه في عِدَّتِها. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، في الأمَةِ التي لا يَطَؤُها إذا أعْتَقَها: لا يتزَوَّجُها بغيرِ اسْتِبْراءٍ؛ لأنَّه لو باعَها لم تَحِلَّ للمُشْتَرِى بغيرِ اسْتِبْراءٍ. والصَّحيحُ أنَّه يَحِلُّ له ذلك؛ لأنَّه يَحِلُّ له وَطْؤُها بمِلْكِ اليَمينِ، فكذلك بالنِّكاحِ، كالتى كان يُصِيبُها، ولأنَّ النبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَها، ولم يُنْقَلْ أنَّه كان أصابَها، والحديثُ الآخرُ يَدُلُّ على حِلِّها له بظاهِرِه، لدُخُولِها في العُمُومِ، ولأنَّها تَحِلُّ لمن يتزَوَّجُها (١٣) سِوَاهُ، فله أَوْلَى، ولأنَّه (١٤) لو اسْتَبْرأها، ثم أعْتَقَها وَتَزَوَّجَها في الحالِ، كان جائزًا حسنًا، فكذلك هذه، فإنَّه تارِكٌ لوَطْئِها، ولأنَّ وُجُوبَ الاسْتِبْراءِ في حَقِّ غيرِه، إنَّما كان لصِيَانةِ مائِه عن الاخْتِلاطِ بغيرِه، ولا يُوجَدُ ذلك ههُنا. وكلامُ أحمدَ، محمولٌ على مَن اشْتَراها، ثم تزَوَّجَها قبل أن يَسْتَبْرِئَها.

فصل: وإن اشْتَرى أمَةً، فأعْتَقَها قبلَ اسْتِبْرائِها، لم يَجُزْ أن يتزَوَّجَها حتى يسْتَبْرِئَها. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: له ذلك. ويحكى أنَّ الرَّشِيدَ اشْترَى جارِيةً، فتاقَتْ نَفْسُه إلى جِماعِها قبلَ اسْتِبْرائِها، فأمَرَه أبو يوسفَ أن يَعْتِقَها ويتزَوَّجَها ويَطأَها. قال أبو عبدِ اللَّه: وبَلَغَنِى أن المَهْدِىَّ اشْترَى جارِيةً، فأعْجَبَتْه، فقيل له: اعْتِقْها وَتَزَوَّجْها. قال أبو عبدِ اللَّه: سُبحانَ اللَّه، ما أعْظَمَ هذا، أَبْطَلُوا الكِتابَ والسُّنَّةَ، جَعَلَ اللَّه على الْحَرائرِ العِدَّةَ من أجْلِ الحَمْلِ، فليس من امرأةٍ تُطَلَّقُ أو يَمُوتُ زَوْجُها إلَّا تَعْتَدُّ من أجلِ الحَمْلِ، وسَنَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتِبْراءَ الأمَةِ بحَيْضةٍ من أجْلِ الحَمْلِ، ففَرْجٌ يُوطَأُ يشْترِيه، ثم يَعْتِقُها على المكانِ، فيتزَوَّجها، فيَطَؤُها، يَطَؤُها رجلٌ اليَومَ ويَطَؤُها (١٥) الآخَرُ غدًا، فإن كانتْ حامِلًا كيف يَصْنَعُ؟ هذا نَقْضُ


(١١) في ب، م: "الاستبراء".
(١٢) في ب، م: "استبراء".
(١٣) في م: "تزوجها".
(١٤) في الأصل: "ولأنها".
(١٥) في الأصل، أ: "ويطأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>