للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ولو شَرَعَ مُجْتَهِدٌ في الصلاةِ باجتِهَادِهِ، فعَمِىَ فيها، بَنَى على ما مَضَى مِن صلاتِه، لأنَّه إنَّمَا يُمْكِنُه البنَاءُ على اجْتِهَادِ غيرِه، [فاجْتَهادُ نَفْسِه] (٤) أوْلَى، فإن اسْتَدَارَ عن تلك الجهَةِ، بَطَلَتْ صلاتُه. وإنْ أَخبَرَهُ مُخْبِرٌ بخَطَئِهِ عن يقينٍ، رجع إليه. وإنْ أخْبَرَهُ عن اجْتِهَادٍ، لم يَرْجِعْ إليه؛ لما ذَكَرْنَا. وإنْ شَرَعَ فيها وهو أعْمَى، فأبْصَرَ في أثنائها، فشَاهَدَ ما يَسْتَدِلُّ به على صوابِ نَفْسِه، مِثلَ أنْ يَرَى الشمسَ في قِبْلَتِه في صلاةِ الظُّهْرِ، ونحوَ ذلك، مَضَى عليهِ؛ لأنَّ الاجْتِهَادَيْنِ قد اتَّفَقَا. وإنْ بَانَ له خَطَأُهُ، اسْتَدَارَ إلى الجِهَةِ التي أدَّاهُ اجْتَهادُه (٥) إليها، وبَنَى على ما مضَى مِن صلاتِهِ. وإن لم يَبِنْ له صَوَابُه ولا خَطأُهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُه، واجْتَهَدَ؛ لأنَّ فرْضَهُ الاجْتِهَادُ، فلم يَجُزْ له أداءُ فَرْضهِ بالتَّقْلِيدِ، كما لو كان بَصِيرًا في ابْتِدَائِها. وإنْ كانَ مُقَلِّدًا، مَضَى في صلاتِه؛ لأنَّه ليس في وُسْعِهِ إلا الدَّلِيلُ الذي بَدَأ به فيها.

١٣٧ - مسألة؛ قال: (وإذَا صَلَّى بالاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ القِبْلَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ)

وَجُمْلَتُهُ أنَّ المُجْتَهِدَ إذا صَلَّى باجْتَهادِه (١) إلى جِهَةٍ، ثم بانَ له أنَّه صلَّى إلى غيرِ جِهَةِ الكعبةِ يَقِينًا، لم يَلْزَمْهُ الإِعَادَةُ. وكذلك المُقَلِّدَ الذي صلَّى بِتَقْلِيدِهِ. وبهذا قال مالكٌ، وأبو حنيفَةَ. والشَّافِعِىُّ فِي أحدِ قَوْلَيْه. وقالَ في الآخَرِ: يَلْزَمُه الإِعادَةُ؛ لأنَّه بانَ له الخَطَأُ في شَرْطٍ مِن شُرُوطِ الصَّلاةِ، فَلَزِمَتْهُ الإِعادَةُ، كما لو بانَ له أنَّه صَلَّى قَبْلَ الوقتِ، أو بغيرِ طَهَارَةٍ أو سِتَارَةٍ. ولَنا، ما رَوَى عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ، عن أبيه، قال: كُنَّا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَفَرٍ، في ليلةٍ مُظْلِمَةٍ، فلم نَدْرِ أينَ القِبْلَةُ، فصلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ، فلمَّا أصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذلك لِلنَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَزَلَ:


(٤) في م: "فاجتهاده".
(٥) سقط من: م.
(١) في م: "بالاجتهاد".

<<  <  ج: ص:  >  >>