للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَه وَلَّاهم، ومَن تغَيَّرَ حَالُه منهم، عزَلَه إن فسَقَ، وإن ضَعُفَ، ضَمَّ إليه أمِينًا.

فصل: ثم ينْظُرُ في أمرِ الضَّوالِّ واللُّقَطةِ التي تَوَلَّى الحاكمُ حِفْظَها؛ فإن كانتْ ممَّا يُخافُ تَلَفُه كالحيوانِ، أو في حِفْظِه مُؤْنَةٌ كالأمْوالِ الجافِيَةِ، باعَها، وحَفِظَ ثمنَها لأرْبابِها، وإن لم تكُنْ كذلك كالأثْمانِ، حَفِظَها لأرْبابِها، ويكْتبُ عليها لِتُعَرَّفَ.

١٨٦٥ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)

لا خِلافَ بين أهلِ العلمِ فيما علِمْناه، في أنَّ القاضيَ لا يَنْبَغِي له أنْ يقْضِيَ وهو غَضْبانُ. كَرِهَ ذلك شُرَيْحٌ، وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعيُّ. وكتبَ أبو بَكْرَةَ إلى عبدِ اللهِ بنِ أبي بَكرةَ وهو قاضٍ بسِجِسْتَانَ، أنْ لا تَحْكُمَ بين اثنَيْن وأنتَ غَضْبانُ؛ فإني سمعتُ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولُ: "لا يَحْكُمْ أحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ". مُتَّفَقٌ عليه (١). وكتبَ عمرُ، رَضِيَ اللهُ عنه، إلى أبي موسى: إيَّاك والغَضَبَ، والقَلَقَ، والضَّجَرَ، والتَّأذِّي بالناس، والتَّنَكُّرَ لهم عندَ الخُصومةِ، فإذا رأيتَ الخَصْمَ يتعمَّد الظُّلْمَ، فأوْجِعْ رأسَه (٢). ولأنَّه إذا غضِبَ تغيَّرَ عَقلُه، ولم يَسْتَوْفِ رَأْيَه وفِكْرَه. وفي معنى الغضبِ كلُّ ما شَغَلَ فكرَه، من الجُوعِ المُفْرطِ، والعَطَشِ الشَّدِيدِ، والوَجَعِ المُزْعِجِ، ومُدافَعةِ أحَدِ الأخْبَثيْنِ، وشِدَّةِ النُّعاسِ، والهَمِّ، والغَمِّ، والحُزْنِ، والفرَحِ، فهذه كلُّها تَمْنَعُ الحاكمَ؛ لأنَّها تَمْنَعُ حضُورَ القلبِ، واسْتيفاءَ الفكرِ، الذي يُتوصَّلُ به إلى إصابةِ الحقِّ في الغالبِ، فهي في معنى الغضَبِ المَنْصوصِ عليه، فتَجْرِي مَجْراهُ. فإن حكَمَ في الغضبِ أو ما شاكلَه، فحُكِىَ عن القاضي، أنَّه لا يَنْفُذُ قَضاؤُه؛ لأنَّه مَنْهِيٌّ عنه، والنَّهْيُ يَقْتضِي فسادَ المَنْهِيِّ عنه (٣). وقال في "المُجَرَّدِ": يَنْفُذُ قَضاؤُه. وهو مذهبُ الشَّافعيِّ؛ لما رُوِيَ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اخْتصمَ إليه الزُّبَيْرُ


(١) تقدم تخريجه، في صفحة ١٩، ٢٠.
(٢) أخرجه عبد الرزاق، في: باب القضاة، من كتاب الجامع. المصنف ١١/ ٣٢٨، ٣٢٩.
(٣) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>