للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْلُومًا، والوَسَطُ من الجِنْسِ يَبْعُدُ الوقوفُ عليه؛ لكثرةِ أنواعِ الجِنْسِ واخْتلافِها، واخْتلافِ الأعيانِ فى النَّوْعِ الواحدِ. وأمَّا تَخْصيصُ التصحيحِ بعَبْدٍ من عَبِيدِه، فلا نظيرَ له يُقاسُ عليه، ولا نعلمُ فيه نصًّا يُصارُ إليه، فكيف يَثْبُتُ الحكمُ فيه بالتَّحَكُّمِ؟ وأمَّا نُصوصُ أحمدَ على الصِّحَّةِ، فتَأَوَّلَها أبو بكرٍ على أنَّه تَزَوَّجَها على عبدٍ مُعَيَّنٍ، ثم أشْكَلَ عليه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ لها مَهْرَ المِثْلِ فى كلِّ موضعٍ حَكَمْنا بفسادِ التسميةِ، ومَنْ قال بصِحَّتِها، أوْجَبَ الوَسَطَ من المُسَمَّى، والوَسَطُ من العَبِيدِ السِّنْدِىُّ؛ لأنَّ الأعْلَى التُّرْكِىُّ والرُّومِىُّ، والأسْفَلَ الزنْجِىُّ والحَبَشِىُّ، والوَسَطَ السِّنْدِىُّ والمَنْصُورِىُّ. قال القاضى: وإن أعْطاها قِيمةَ العَبْدِ، لَزِمَها قَبُولُها، إلْحاقًا بالإِبلِ فى الدِّيَةِ.

فصل: ويجوز أن يكونَ الصَّداقُ مُعَجَّلًا، ومُؤَجَّلًا، وبعضُه مُعجلًا وبعضُه مُوجَّلًا؛ لأنَّه عِوَضٌ فى مُعاوَضةٍ، فجاز ذلك فيه كالثَّمَنِ. ثم إن أُطْلِقَ ذِكْرُه اقْتَضَى الحلولَ، كما لو أطْلِقَ ذِكْرُ الثمنِ. وإن شَرَطه مُؤجَّلًا إلى وقتٍ، فهو إلى أجَلِه. وإن أجَّلَه ولم يَذْكُرْ أجَلَه، فقال القاضى: المَهْرُ صَحِيحٌ. ومَحَلُّه الفُرْقةُ؛ فإنَّ أحمدَ قال: إذا تزَوَّجَ على العاجلِ والآجلِ، لا يَحِلُّ الآجِلُ إلَّا بمَوْتٍ أو فُرْقةٍ. وهذا قولُ النَّخَعِىِّ والشَّعْبِىِّ. وقال الحسنُ، وحَمَّادُ بن أبى سليمانَ، وأبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ: يَبْطُل الأَجَلُ، ويكونُ حالًّا. وقال إياسُ بن مُعَاويةَ، وقَتادةُ: لا يَحِلُّ حتى يُطَلِّقَ، أو يَخْرُجَ من مِصْرِها، أو يتَزَوَّج عليها. وعن مَكْحُولٍ، والأَوْزاعىِّ، والعَنْبَرِىِّ: يَحِلُّ إلى سَنَةٍ بعدَ دُخُولِه بها. واخْتار أبو الخَطَّابِ أَنَّ المَهْرَ فاسدٌ، ولها مَهْرُ المِثْلِ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه عِوَضٌ مَجْهولُ المَحَلِّ، ففَسَدَ، كالثمنِ فى البَيْعِ (١٣). وَوَجْهُ القَوْلِ الأوَّلِ، أَنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على العُرْفِ، والعادةُ فى الصَّداقِ الآجِلِ تَرْكُ المُطالبةِ به إلى حينِ الفُرْقَةِ، فحُمِلَ عليه، فيَصِيرُ حينئذٍ مَعْلُومًا بذلك. فأمَّا إن جَعَلَ للآجِلِ (١٤) مُدَّةً مجهولةً، كقُدُومِ زَيْدٍ، ومجِىءِ المَطرِ، ونحوِه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ، وإنَّما صَحَّ


(١٣) فى الأصل: "المبيع".
(١٤) فى أ، ب، م: "الآجل".

<<  <  ج: ص:  >  >>