للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابِ الشافعيِّ: يجبُ القِصاصُ على الذِّمِّيِّ بقَتْلِه، والدِّيَةُ إذا عَفَا عنه؛ لأنَّه لا ولايةَ له في قَتْلِه. وقال بعضُهم: يجبُ القِصاصُ دُون الدِّيَةِ؛ لأنَّه لا قِيمةَ له. ولَنا، أنَّه مُباحُ الدَّمِ، أشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، ولأنَّ مَنْ لا يَضْمَنُه المسلمُ لا يضْمَنُه الذِّمِّيُّ، كالحَرْبيِّ.

فصل: وليس على قاتلِ الزَّانِي المُحْصَنِ قِصاصٌ ولا دِيةٌ ولا كَفَّارةٌ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ. وحكَى بعضُهم وَجْهًا، أنَّ على قاتلِه القَوَدَ؛ لأنَّ قَتْلَه إلى الإِمامِ، فيجبُ القَوَدُ على مَن قَتَلَه سِوَاهُ (٢٧)، كمَن عليه القِصاصُ إذا قتلَه غيرُ مُسْتَحِقِّه. ولَنا، أنَّه مُباحُ الدَّمِ، وقَتْلُه مُتَحَتِّمٌ، فلم يُضْمَنْ كالحَرْبِيِّ، ويَبْطُلُ ما قالَه بالمُرْتَدِّ، وفارَقَ القاتلَ، فإنَّ قَتْلَه غيرُ مُتَحتِّمٍ. وهو مُسْتَحَقٌّ على طَريقِ المُعاوَضةِ، فاخْتَصَّ بمُسْتَحِقِّه، وههُنا يجبُ قَتلُه للهِ تعالى، فأشْبَهَ المُرْتدَّ، وكذلك الحكمُ في المُحارِبِ الذي تَحَتَّمُ قَتْلُه.

فصل: ويُقْتَلُ المُرْتَدُّ بالمسلمِ والذِّمِّيِّ، ويُقَدَّمُ القِصاصُ على القَتْلِ بالرِّدَّةِ، لأنَّه حَقُّ آدَمِيٍّ. وإن عَفَا عنه وَلِيُّ القِصاصِ، فله دِيَةُ المَقْتولِ، فإن أسلمَ المُرْتَدُّ فهي في ذِمَّتِه، وإن قُتِلَ بالرِّدَّةِ أو مات، تعلَّقَتْ بمالِه. وإن قَطَعَ طَرَفًا من أحدِهما، فعليه القِصاصُ فيه أيضًا. وقال بعضُ أصحاب الشافعيِّ: لا يُقْتَلُ المُرْتَدُّ بالذِّمِّيِّ، ولا يُقْطَعُ طَرَفُه بطَرَفِه؛ لأنَّ أحْكامَ الإِسلامِ في حَقِّه باقيةٌ؛ بدليلِ وُجُوبِ العِباداتِ عليه، ومُطَالَبتِه بالإِسلامِ. ولَنا، أنَّه كافِرٌ، فيُقْتَلُ بالذِّمِّيِّ، كالأصلِيِّ. وقولُهم: إنَّ أحْكامَ الإِسلامِ باقيةٌ. غيرُ صحيحٍ، فإنَّه قد زالتْ عِصْمَتُه وحُرْمَتُه، وحِلُّ نكاحِ المُسْلِماتِ، وشِراءُ العَبِيدِ المسلمينَ، وصِحَّةُ العباداتِ وغيرِها، وأمَّا مُطالَبَتُه بالإِسْلامِ، فهو حُجَّةٌ عليهم، فإنه يَدُلُّ على تَغْليظِ (٢٨) كُفْرِه، وأنَّه لا يُقَرُّ على رِدَّتِه؛ لِسُوءِ حالِه، فإذا قُتِلَ بالذِّمِّيِّ مثلُه فمَن هو دُونَه أَوْلَى.


(٢٧) في م: "سواء".
(٢٨) في الأصل: "تغلظ".

<<  <  ج: ص:  >  >>