للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: فإن وَهَبَ الأبُ لِابْنِه شيئًا، قامَ مقامَه في القَبْضِ والقَبُولِ، إن احْتِيجَ إليه. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ على أنَّ الرَّجُلَ إذا وَهَبَ لِوَلَدِه الطِّفْل دارًا بِعَيْنِها، أو عَبْدًا بِعَيْنِه، وقَبَضَه له من نَفْسِه، وأشْهَدَ عليه، أنَّ الهِبَةَ تامَّةٌ. هذا قول مالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ورَوَيْنا مَعْنَى ذلك عن شُرَيْحٍ، وعمرَ بن عبد العزيزِ. ثم إن كان المَوْهُوبُ مما يَفْتَقِرُ إلى قَبْضٍ، اكْتُفِىَ بقَوْلِه: قد وَهَبْتُ هذا لِابْنِى، وَقَبَضْتُه له. لأنَّه يُغْنِى عن القَبُولِ كما ذَكَرْنا. ولا يُغْنِى قولُه: قد قَبِلْتُه. لأنَّ القَبُولَ لا يُغْنِى عن القَبضِ. وإن كان ممَّا لا يَفْتَقِرُ اكْتُفِىَ بقَوْلِه: قد وَهَبْتُ هذا لِابْنِى. ولا يَحْتاجُ إلى ذِكْرِ قَبْضٍ ولا قَبُولٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ الفُقَهاءُ على أنَّ هِبَةَ الأبِ لِابْنِه الصَّغِيرِ في حِجْرِه لا يَحْتاجُ إلى قَبْضٍ، وأنَّ الإِشْهادَ فيها يُغْنِى عن القَبْضِ، وإن وَلِيَها أبُوه؛ لما رَوَاهُ مالِكٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن ابنِ المُسَيَّبِ، أن عثمانَ قال: مَن نَحَلَ وَلَدًا له صَغِيرًا، لم يَبْلُغْ أن يَحُوزَ نِحْلةً، فأعْلَنَ ذلك، وأشْهَدَ على نَفْسِه، فهى جائِزَةٌ، وإن وَلِيَها أبُوه. وقال القاضي: لا بُدَّ في هِبَةِ الوَلَدِ من أن يقولَ: قد (٦) قَبِلْتُه. وهذا مذهبُ الشافِعِيِّ؛ لأنَّ الهِبَةَ عندهم لا تَصِحُّ إلَّا بإِيجَابٍ وقَبُولٍ. وقد ذَكَرْنا من قبلُ أنَّ قَرَائِنَ الأحْوَالِ ودَلَالَتَها تُغْنِى عن لَفْظِ القَبُولِ، ولا أدَلَّ على القَبُولِ من كَوْنِ القابِلِ هو الواهِبُ، فاعْتِبارُ لَفْظٍ لا يُفِيدُ مَعْنًى من غيرِ وُرُودِ الشَّرْعِ به تَحَكُّمٌ لا مَعْنَى له، مع مُخَالَفتِه لِظَاهِرِ حالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وصَحَابَتِه. وليس هذا مَذْهَبًا لأحمدَ، فقد قال، في روَايةِ حَرْبٍ، في رَجُلٍ أشْهَدَ بِسَهْمٍ من ضَيْعَتِه وهى مَعْرُوفَةٌ لِابْنِه، وليس له وَلَدٌ غيرَه، فقال: أحَبُّ إلىَّ أن يقولَ عند الإِشْهادِ: قد قَبَضْتُه [له. قِيلَ له: فإن سَهَا؟ قال: إذا كان مُفْرَزًا رَجَوْتُ. فقد ذَكَرَ أحمدُ أنَّه يُكْتَفَى بقَوْلِه: قد قَبَضْتُه] (٦). وأنه يَرْجُو أن يُكْتَفَى مع التَّمْيِيزِ بالإِشْهادِ فحَسْب. وهذا مُوافِقٌ للإِجْماعِ المَذْكُورِ عن سائِر العُلَماءِ. وقال بعضُ أصْحابِنا: يُكْتَفَى بأحَدِ لَفْظَيْنِ، إمَّا أن يقولَ: قد قَبِلْتُه، أو قَبَضْتُه. لأنَّ القَبُولَ يُغْنِى عن القَبْضِ. وظاهِرُ كلامِ أحمدَ


(٦) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>