للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَأخَّرَهُ بِمُقْتَضَى طَبْعِه، ثِقَةً منه بأنَّه لا يَأْثمُ بالتَّأْخِيرِ، فيَسْقُطُ عنه بِالمَوْتِ، أو بتَلَفِ مَالِه، أو بِعَجْزِه عن الأدَاءِ، فَيَتَضَرَّرَ الفُقَرَاءُ، ولأنَّ هاهُنا قَرِينَةً تَقْتَضِي الفَوْرَ، وهو أنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ لحاجَةِ الفُقَرَاءِ، وهي نَاجِزَةٌ، فيَجِبُ أن يكونَ الوُجُوبُ، ناجِزًا (٢٩) ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَكَرَّرُ، فلم يَجُزْ تَأْخِيرُها إلى وَقْتِ وُجُوبِ مِثْلِها، كالصلاةِ والصَّوْمِ. قال الأثْرَمُ: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ سُئِلَ عن الرَّجُلِ يَحُولُ الحَوْلُ على مَالِه، فيُؤَخِّرُ عن وَقْتِ الزكاةِ؟ فقال: لا، ولم يُؤَخِّرُ إخْرَاجَها؟ وشَدَّدَ [في ذلك] (٣٠). قيل: فابْتَدَأ في إخْرَاجِها، فجَعَلَ يُخْرِجُ أوَّلًا فأوَّلًا. فقال: لا، بل يُخْرِجُها كُلَّها إذا حَالَ الحَوْلُ. فأمَّا إن (٣١) كانت عليه مَضَرَّةٌ في تَعْجِيلِ الإخْرَاجِ، مثل مَن يَحُولُ حَوْلُه قبلَ مَجِىءِ السَّاعِى، ويَخْشَى إنْ أخْرَجَهَا بِنَفْسِه أخَذَهَا السَّاعِى منه مَرَّةً أُخْرَى، فله تَأْخِيرُها. نَصَّ عليه أحمدُ. وكذلك إنْ خَشِىَ في إخْرَاجِها ضَرَرًا في نَفْسِه أو مَالٍ له سِوَاهَا، فله تَأْخِيرُها؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" (٣٢) ولأنَّه إذا جازَ تَأْخِيرُ قَضَاءِ دَيْنِ الآدَمِيِّ لذلك، فتَأْخِيرُ الزكاةِ أوْلَى.

فصل: فإن أَخَّرَهَا لِيَدْفَعَها إلى مَن هو أحَقُّ بها، مِن ذِي قَرَابَةٍ، أو ذِي حاجَةٍ شَدِيدَةٍ، فإنْ كان شيئًا يَسِيرًا، فلا بَأْسَ، وإن كان كَثِيرًا، لم يَجُزْ. قال أحمدُ: لا يُجَزِّئُ على أقَارِبِه من الزكاةِ في كلِّ شَهْرٍ. يَعْنِي لا يُؤَخِّرُ إخْرَاجَها حتى يَدْفَعَها إليهم مُفَرَّقةً (٣٣)، في كلِّ شَهْرٍ شَيْئًا، فأمَّا إنْ عَجَّلَها فدَفَعَها إليهم، أو إلى غَيْرِهِم مُفَرَّقةً (٣٣) أو مَجْمُوعَةً، جازَ، لأنَّه لم يُؤَخِّرْهَا عن وَقْتِها، وكذلك إنْ كان عِنْدَه


(٢٩) سقط من: م.
(٣٠) في الأصل: "فيه".
(٣١) في أ، م: "إذا".
(٣٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٤٠.
(٣٣) في أ، م: "متفرقة".

<<  <  ج: ص:  >  >>