للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنُ معها غالِبًا، فصَحَّ السَّلَمُ فيه، كالخشَب والقَصَبِ، وما فيه من غيرِه مُتَمَيِّزٌ، يمكنُ ضَبْطُه والإِحاطَةُ به، ولا يَتَفاوَتُ كَثِيرًا، فلا يُمْنَعُ، كالثِّيابِ المَنْسُوجَةِ من جِنْسَيْنِ، وقد يكون الرِّيشُ طاهِرًا، وإن كان نَجِسًا، لكِن يَصِحُّ بَيْعُه، فلم يُمْنَع السَّلَمُ فيه، كنَجاسَةِ البَغْلِ والحِمارِ.

فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ فى السَّلَمِ فى الحَيوانِ، فَرُوِىَ، لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْى. وَرُوِىَ ذلك عن عمرَ، وابنِ مَسْعُودٍ، وحُذَيْفَةَ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، والشَّعْبِيِّ، والجُوزَجَانِيِّ؛ لما رُوِىَ عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللهُ عنه أنَّه قال: إنَّ مِن الرِّبَا أبْوَابًا لا تَخْفَى، وإنَّ منها السَّلَمَ فى السِّنِّ. ولأنَّ الحَيوانَ يَخْتَلِفُ اخْتِلافًا مُتَبايِنًا، فلا يمكنُ ضَبْطُه. وإن اسْتَقْصَى صِفاتِه التى يَخْتَلِفُ بها الثَّمَنُ، مثلُ: أزَجُّ الحاجِبَيْنِ (١٢)، أكْحَلُ العَيْنَيْنِ، أقْنَى الأنْفِ (١٣)، أَشَمُّ العِرْنِينِ (١٤)، أهْدَبُ الأَشْفَارِ (١٥)، أَلْمَى الشَّفَةِ (١٦)، بَدِيعُ الصِّفَةِ. تَعَذَّرَ تَسْلِيمُه؛ لِنَدْرَةِ وُجُودِه على تلك الصِّفَةِ. وظَاهِرُ المَذْهَبِ، صِحَّةُ السَّلَمِ فيه. نَصَّ عليه، فى رِوَايَةِ الأَثْرَمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: وممَّن رَويْنَا عنه أنَّه لا بَأْسَ بالسَّلَمِ فى الحَيَوانِ؛ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ عمر، وسعيِدُ بن المُسَيَّبِ، والحَسنُ، والشَّعْبِيُّ، ومُجَاهِدٌ، والزُّهْرِىُّ، والأوْزَاعِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وحَكَاهُ الجُوزَجَانِيُّ عن عَطَاءٍ، والحَكَمِ. لأن أبَا رَافِعٍ قال: اسْتَسْلَفَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رَجُلٍ بَكْرًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١٧). ورَوَى


(١٢) زَجَّ الحاجب، دقَّ فى الطول وتقوَّس.
(١٣) قَنِىَ الأنفُ، ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه.
(١٤) شَمَّ الأنْفُ، ارتفعت قصبته قليلًا فى استواء.
(١٥) شَفرُ الجفن، حرفه الذى ينبت عليه الهدب. وأهدب الأشفار، طويلها.
(١٦) اللَّمَى: سمرة فى الشفة تستحسن.
(١٧) فى: باب من استسلف شيئا. . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٢٤. =

<<  <  ج: ص:  >  >>