للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحِيحةُ قال (١٦): "يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أوْ نِصْفِ (١٧) دِينَارٍ" (١٨). ولأنَّه حُكْمٌ تَعَلَّقَ بالحَيْضِ، فلم يُفَرَّقْ بينَ أوَّلِه وآخرِه، كسائِرِ أحْكَامِه. فإنْ قِيل: فكيف يُخَيَّرُ بينَ شيءٍ ونِصْفِه؟ قُلْنَا: كما يُخَيَّرُ المُسَافِرُ بَيْنَ قَصْرِ الصَّلَاةِ وإتْمَامِها، فأيُّهُما فعل كان وَاجِبًا، كذا ههنا.

فصل: وإنْ وَطِىءَ بعدَ طُهْرِها، وقبلَ غُسْلِها فلا كَفَّارَةَ عليهِ. وقال قَتَادَةُ، والأوْزَاعِىُّ: عليه نِصْفُ دينَارٍ. ولو وَطِىءَ في حالِ جَرَيَانِ الدَّمِ، لَزِمَهُ دينارٌ؛ لأنَّهُ حكمٌ تَعَلَّقَ بالوَطْءِ في الحَيْضِ، فثَبَتَ قَبْلَ الغُسْلِ، كالتَّحْرِيمِ. ولَنا، أنَّ وُجُوبَ الكَفَّارَةِ بالشَّرْعِ، وإنَّما وَرَدَ بها الخَبَرُ في الحائِضِ، وغيرُها لا يُسَاوِيها؛ لأنَّ الأَذَى المانِعَ مِنْ وَطْئِها قد زال بانْقِطَاعِ الدَّمِ، وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِما لو حَلَفَ لا يَطَأُ حَائِضًا، فإنَّ الكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالوَطْءِ في الحَيْضِ، ولا تَجِبُ في غيرِه.

فصل: وهل تَجِبُ الكفَّارَةُ على الجَاهِلِ والنَّاسِى؟ على وَجْهَيْنِ: أحدُهما، تَجِبُ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، ولِأنَّها كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِالوَطْءِ، أشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الوَطْءِ في الصَّوْمِ والإِحْرَامِ. والثَّانِى، لا تَجِبُ؛ لقولِه عليه السلامُ: "عُفِىَ لِأُمَّتِى عَنِ الخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ" (١٩). ولأنَّها تَجبُ لِمَحْوِ المَأْثَمِ، فلا تَجِبُ مع النِّسْيَانِ، ككَفَّارَةِ اليَمِينِ، فعلى هذا لو وَطِىءَ طَاهِرًا، فحَاضَتْ في أثْنَاءِ وَطْئِهِ، لا كَفَّارَةَ عليه. وعلى الرِّوَايَةِ الأُولَى، عليه كَفَّارَةٌ. وهو قَوْلُ ابنِ حامِدٍ، قال: ولو وَطِىءَ الصَّبِىُّ لَزِمَتْهُ الكَفَّارَةُ؛ لِعُمُومِ الخَبَرِ، وقِياسًا على كَفَّارَةِ الإِحْرامِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ؛ لأَنَّ أحْكَامَ التَّكْلِيفِ لا تَثْبُتُ في حَقِّه، وهذا مِنْ فُرُوعِها، فلا تَثْبُتُ.

فصل: وهلْ تَلْزَمُ المَرْأَةَ كَفَّارَةٌ؟ المَنْصُوصُ أنَّ عليها الكَفَّارَةُ. قال أحمدُ في امْرَأَةٍ غَرَّتْ زَوْجَها: إنَّ عليه الكَفَّارَةَ وعليها. وذلك لأنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الكَفَارَةَ،


(١٦) سقط من: م.
(١٧) في م: "بنصف".
(١٨) انظر: باب في إتيان الحائض، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٦٠.
(١٩) أخرجه ابن ماجه، في: باب طلاق المكره والناسى، من كتاب الطلاق، بلفظ مقارب. سنن ابن ماجه ١/ ٦٥٩. وانظر: إرواء الغليل ١/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>