للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَّقَهَا زَوْجُها، فَزَعَمَتْ أنَّها حاضَتْ في شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ، طَهُرَتْ عندَ كُلِّ قُرْءٍ وصَلَّتْ، فقال علىٌّ لِشُرَيْحٍ (١٤): قُلْ فيها. فقال شُرَيْحٌ: إنْ جاءتْ بِبَيِّنَةٍ مِن بِطانةِ أهْلِها مِمَّنْ يُرْضَى دِينُه وأمَانَتُه، فشَهِدَتْ بذلك، وإلَّا فهى كاذِبةٌ. فقال علىّ: قَالُون. وهذا بالرُّومِيَّةِ. ومَعْنَاهُ: جَيِّدٌ. وهذا لا يقولُه إلَّا تَوْقيفًا، ولأنَّه قولُ صَحَابِىٍّ انْتَشَرَ، ولم نَعْلَمْ خِلافَهُ، رَوَاهُ الإِمامُ أحمدُ بإسْنادِه، ولا يَجِىءُ إلَّا على قَوْلِنا أقلُّه ثلاثةَ عشرَ، وأقَلُّ الحَيْضِ يومٌ وليلةٌ. وهذا في الطُّهْرِ بينَ الحَيْضَتَيْن، وأمَّا الطُّهْرُ في أثْناءِ الحَيْضَةِ فلا تَوْقِيتَ فيه؛ فإنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قال: أمَّا ما رَأَتِ الدَّمَ البَحْرَانِىَّ (١٥) فإنَّها لا تُصَلِّى، وإذا رَأتِ الطُهْرَ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِل. ورُوِىَ أنَّ الطُهْرَ إذا كانَ أقَلَّ مِن يومٍ، لا يُلْتَفَتُ إليه. لقولِ عائشةَ: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ (١٦). ولأنَّ الدَّمَ يَجْرِى مَرَّةً ويَنَقَطِعُ أُخْرَى. فلا يَثْبُتُ الطُّهْرُ بِمُجَرَّدِ انْقِطاعِه، كما لو انْقَطَعَ أقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ.

٩٢ - مسألة؛ قال: (فَمَنْ طَبَّقَ (١) بهَا الدَّمُ فَكَانَتْ مِمَّنْ تُمَيِّزُ، فَتَعْلَمُ إقْبَالَهُ بأَنَّهُ أَسْوَدُ ثَخِينٌ مُنْتِنٌ، وإدْبَارَهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ، تَرَكَتِ الصَّلَاةَ في إقْبَالِهِ، فإذَا أَدْبَرَ، اغْتَسَلَتْ، وتَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ وصَلَّتْ)

قولُه: "طَبَّقَ بها الدَّمُ". يَعْنِى امْتَدَّ وتجاوزَ أكْثَرَ الحَيْضِ، فهذه مُسْتَحَاضَةٌ، قد اخْتَلَطَ حَيْضُها باسْتِحَاضَتِها، فتحْتَاجُ إلى مَعْرِفَةِ الحَيْضِ مِن الاسْتِحَاضَةِ لتُرَتِّبَ


(١٤) أبو أمية شريح بن الحارث القاضي، استقضاه عمر رضى اللَّه عنه على الكوفة، وبقى في القضاء خمسا وسبعين سنة، ثم استعفى الحجاج فأعفاه، وتوفى سنة اثنتين وثمانين، عن مائة وعشرين سنة. طبقات الفقهاء للشيرازي ٨٠.
(١٥) دم بحرانى: شديد الحمرة، كأنه نسب إلى البحر وهو اسم قعر الرحم، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبالغة. النهاية ١/ ٩٩.
(١٦) أخرجه البخاري، في: باب إقبال المحيض وإدباره، من كتاب الحيض. صحيح البخاري ١/ ٨٧. والإمام مالك، في: باب طهر الحائض، من كتاب الطهارة. الموطأ ١/ ٥٩.
والقصة البيضاء: هو أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشى بها الحائض كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة. وقيل: القصة البيضاء شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقضاء الدم كله. النهاية ٤/ ٧١.
(١) في م هنا وفيما يأتى: "أطبق".

<<  <  ج: ص:  >  >>