للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الإمامَ يَجْمَعُ بين الظهرِ والعصرِ بِعَرفَةَ، وكذلك مَن صَلَّى مع الإمامِ. وذَكَرَ أصْحابُنا أنَّه لا يجوزُ الجَمْعُ إلَّا لمن بينه وبين وَطَنِه سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، إلْحَاقًا له بالقَصْرِ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ، فجَمَعَ معه مَنْ حَضَرَه مِن المَكِّيِّينَ وغَيرهم، ولم يَأْمُرْهم بِتَرْكِ الجَمْعِ، كما أمَرَهم بِتَرْكِ القَصْرِ حين قال: "أَتِمُّوا، فَإنَّا سَفْرٌ" (١١). ولو حُرِّمَ الجَمْعُ لَبَيَّنَه لهم، إذْ لا يجوزُ تَأْخِيرُ البَيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ، ولا يُقِرُّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخَطَأِ. وقد كان عثمانُ يُتِمُّ الصلاةَ؛ لأنَّه اتخَذَ أهْلًا، ولم يَتْرُكِ الجَمْعَ. [وكان ابنُ الزُّبَيْرِ بمكَّةَ] (١٢). قال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: وكان ابنُ الزُّبَيْرِ يُعَلِّمُنا المَناسِكَ. فذكر أنَّه قال: إذا أفاضَ، فلا صلاةَ إلَّا بِجَمْعٍ. رَوَاهُ الأَثْرَمُ. وكان عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ وَالِىَ مَكَّةَ، فخَرَجَ فجَمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ. ولم يَبْلُغْنَا عن أحَدٍ من المتَقَدِّمِينَ خِلافٌ فى الجَمْعِ بِعَرَفةَ ومُزْدَلِفَةَ، بل وَافَقَ عليه مَن لا يَرَى الجَمْعَ فى غيرِه، والحَقُّ فيما أجْمَعُوا عليه، فلا يُعَرَّجُ (١٣) على غيرِه.

فصل: فأمَّا قَصْرُ الصلاةِ، فلا يجوزُ لأهْلِ مَكَّةَ. وبهذا قال عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والزُّهْرِىُّ، وابنُ جُرَيْجٍ، والثَّوْرِىُّ، ويحيى القَطَّانُ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال القاسمُ بنُ محمدٍ، وسالِمٌ، ومَالِكٌ، والأوْزاعِىُّ: لهم القَصْرُ؛ لأنَّ لهم الجَمْعَ، فكان لهم القَصْرُ كغَيْرِهم. ولَنا، أنَّهم فى غير سَفَرٍ بَعِيدٍ، فلم يَجُزْ لهم القَصْرُ كغير من فى (١٤) عَرَفَةَ ومُزْدَلِفَةَ، قيل لِأبي عبدِ اللهِ: فرجلٌ أقامَ بمَكَّةَ، ثمَّ خرج إلى الحَجِّ؟ قال: إن كان لا يُرِيدُ أن يُقِيمَ بمَكَّةَ إذا رجع صَلَّى ثَمَّ رَكْعَتَيْنِ. وذكر فِعْلَ ابنِ عُمَرَ. قال: لأنَّ خُرُوجَهُ إلى مِنًى وعَرفَةَ ابْتِدَاءُ سَفَرٍ، فإنَّ


(١١) تقدَّم تخريحه فى ٢/ ٢٨٦.
(١٢) فى ب، م: "وروى نحو ذلك عن ابن الزبير".
(١٣) فى الأصل: "تعريج".
(١٤) سقط من: ب، م.

<<  <  ج: ص:  >  >>